والملاحظ بعد استعراض هذه المجموعات من الفواصل أنها تتصل بالمحاور الرئيسة للسورة، والتي سبق ذكرها في المباحث الفائتة.
فكثرة فواصل التقوى وسياقاتها تؤكد أهمية التقوى لتحصيل الهدى الذي يتضمنه هذا الكتاب، ثم ما يتعلق بوسائل تحصيل التقوى، وحتمية انتصار المتقين لتأييد الله تعالى إياهم في صراعهم مع القوم الكافرين.
وفواصل العلم تؤكد استئثار الله سبحانه بالعلم ما يشاهده المخلوقون وما يغيب عنهم، ولذلك فإن كل كا يقدره أو يشرع أو يحكم به هو الحق وإن خفيت حكمته عن الخلق، كما أنه عز وجل أكرم آدم عليه السلام وبنيه بالخلافة لما اختصهم به من العلم، وأن العلم أيضاً هو أيضاً طريق الإمامة.
وفواصل الظلم تفيد أن عصيان الرب تعالى ظلم للنفس، وأن أعظم الظلم الشرك باتخاذ العجل أو غيره إلهاً من دون الله تعالى، وأن الظالمين محرومون من الهداية، وحيث إن بني إسرائيل انتهى أمرهم إلى الظلم فقد حُرموا من عهد الله تعالى لإبراهيم عليه السلام، بأن تظل فيهم الإمامة الدينية.
وكذلك فإن فواصل الآخرة، التي كان لها حضور بارز في السورة، مهمة في دفع الناس إلى الاستقامة على الأمر والقيام بحق الخلافة، كما أن الآخرة هي النهاية الطبيعية للحياة الدنيا.
المبحث الخامس
الوحدة الموضوعية في سورة البقرة
(التناسب بين مقاطع السورة)
على الرغم من كون سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم؛ فإن الوحدة الموضوعية فيها والترابط بين مقاطعها، يتجلى غاية التجلي، وهو الأمر الذي عززته المباحث السابقة من هذا الفصل، وحيث تتأكد فيها وحدة البناء على طولها وتعدد قضاياها، وما قد يظهر من النظرة العجلى من عدم الترابط بين أجزائها؛ فإن ذلك يغدو أيسر فيما دونها من السور الأقصر.


الصفحة التالية
Icon