يحتل الاستهلال مكانة بارزة من حيث أهميته من ناحية، ومن حيث علاقته ببقية أجزاء النص من ناحية أخرى، وتحكمه كذلك في هذه الأجزاء، وأي سورة عندما تستهل بأحد الموضوعات فإن ذلك يكشف عن كون الموضوع يحمل أهمية كبيرة يستهدف النص لفت نظرنا إليه، والجملة الأولى في أي نص تمثل معلماً عليه.
فقد بُدئت السورة الكريمة بثلاثة أحرف مقطعة ژ ألم ژ، لا عهد للعرب بتصدير مثلها في الإنشاء والإنشاد، كما يقول الدكتور دراز رحمه الله، بما يوقظ الأسماع ويوجه القلوب، وفيه معنى التحدي والإعجاز بهذا القرآن المكون من مثل هذه الحروف، المبعد لأي ريب عن هذا الكتاب، ولذلك تبع هذه الأحرف قوله تعالى: ژ ؟ ؟ ؟ پپ پپ ؟ ؟ ؟ ژ ؛ فالإشارة إلى الكتاب باسم الإشارة الدال على البعيد لبيان كماله وعلو مكانته، إعلاناً أنه ليس في الوجود ما يصلح أن يسمى كتاباً بالقياس إليه، لأنه الحق الذي لا شبهة فيه، ولأنه الهدى المبين الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإذ تتشوف النفس لمعرفة مواقف الناس من ذلك الكتاب الذي ذاك شأنه، تأتي الآيات التالية لتتحدث عن ثلاثة أصناف من الناس: المتقين الذين كان هذا الكتاب لهم هدى حتى لكأنه إليهم أنزل(١)، ثم الذين كفروا ممن استوى في شأنهم الإنذار وعدمه، ثم المنافقين الذين هم في حقيقتهم كافرون وإن تظاهروا بالإيمان، ولأجل أن هذا الفريق يحاول يدعي الإيمان وليس بمؤمن فقد جاء الحديث عنه في اثنتي عشرة آية، بينما تحدثت أربع آيات عن المتقين، واثنتان عن الكافرين؛ لظهورهما وخفائه.

(١) …دراز، النبأ العظيم،( ص ١٦٤، ١٦٥) بتصرف واختصار.


الصفحة التالية
Icon