ومرة أخرى تعود الآيات لبيان مواقف الناس من آيات كتابه وما فيها من أمثال: فالمؤمنون يعلمون أنه الحق من ربهم، وأما الذين كفروا فيسألون مستنكرين: ماذا أراد الله بهذا مثلاً ؟!، فيأتيهم الجواب أنه يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يُضل به إلا الفاسقين، الخارجين عن طاعته تعالى، بتكرار نقضهم عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعهم ما أمر الله به أن يوصل، وإفسادهم في الأرض، وإذ يحسبون أنهم رابحون يأتي التأكيد أنهم هم الخاسرون.
قال في ( المنار):" ذكر الكتاب أنه لا ريب فيه، ثم ذكر اختلاف الناس فيه فابتدأ بالمستعدين للإيمان به، المنتظرين للهدى الذي يضيء نوره منه، وثنّى بالمؤمنين، وثلّث بالكافرين وقفّى عليهم بالمنافقين، ثم ضرب الأمثال لفرق الصنف الرابع، ثم طالب الناس كلهم بعبادته، ثم أقام البرهان على كون الكتاب منزلاً من الله على عبده محمد، وتحدى المرتابين بما أعجزهم، ثم حذر وأنذر وبشر ووعد، ثم ذكر المثل والقدوة وهو الرسول، وذكر اختلاف الناس فيه كما ذكر اختلاف الناس في الكتاب ثم حاج الكافرين، وجاءهم بأنصع البراهين، وهو إحياؤهم مرتين وإماتتهم مرتين، وخلق السماوات والأرض لمنافعهم، ثم ذكر خلق الإنسان وبين أطواره، والكلام لم يخرج بهذا التنويع عن انتظامه في سلكه، فهو دائر على قطب واحد في فلكه، وهو الكتاب والمرسل به، وحاله مع المرسل إليهم"(١).