ولذلك أيضاً، كما يتابع السيوطي، ذكر في آل عمران ما هو تال لما ذكر في البقرة، أو لازم له؛ فذكر في البقرة خلق الناس، وذكر في آل عمران تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده؛ وألطف من ذلك: أنه افتتح البقرة بقصة آدم حيث خلقه من غير أب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب؛ ولذلك ضرب له المثل بآدم(١).
واختصت البقرة بآدم؛ لأنها أول السور، وآدم أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها؛ فمختصة بالإعراب والبيان.
ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب؛ ففوتحوا بقصة آدم لتثبت في أذهانهم، فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذُكر عندهم ما يشبهها من جنسها.
ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم، في قوله: ژ ھ ھ ژ [آل عمران: ٥٩]، والمقيس عليه لا بد أن يكون معلوماً؛ لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم والسورة التي هي فيها جديرة بالتقدم(٢).
ويتابع السيوطي: " وأمر آخر استقرأته هو: أنه إذا وردت سورتان بينهما تلازم واتحاد، فإن السورة الثانية تكون خاتمتها مناسبة لفاتحة الأولى للدلالة على الاتحاد، وآخر آل عمران مناسب لأول البقرة؛ فإنها افتتحت بذكر المتقين، وأنهم المفلحون، وختمت آل عمران بقوله: ژ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ [آل عمران].
وافتتحت البقرة بقوله سبحانه: ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ [الآية: ٤]، وختمت آل عمران بقوله: ژ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ(٣)[الآية: ١٩٩].
ومن وجوه تلازم السورتين: أنه قال في البقرة في صفة النار: ژ ؟ ؟ ؟ ژ، ولم يقل في الجنة : أعدت للمتقين، مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معاً، وقال ذلك في آخر آل عمران: ژ ؟ ؟ ؟ ؟ پ پ پ پ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ ؛ فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة "(٤).

(١) …السيوطي، السابق، ( ص٧٣).
(٢) …السيوطي، السابق، ( ص ٧٣ -٧٤).
(٣) …السيوطي، السابق، ( ص٧٤).
(٤) …السيوطي، تناسق الدرر، ( ص٧٤).


الصفحة التالية
Icon