الملاحظة الأولى أن الموضوع جاء في سورة البقرة مجملاً وفي آل عمران مفصلاً، وذاك يتناسب مع الواقع الذي تعالجه كل سورة؛ فإن البقرة التي كانت تعد للجهاد، أشارت إلى إمكانية وقوع قتلى لتهيئهم للمصيبة قبل وقوعها، وعلمتهم الاسترجاع في نفس السياق، وعبرت عن ذلك بالفعل المضارع الذي يفيد هنا الاستقبال وإن أفاد التكرار أيضاً، وقد تُليت الآية بقوله سبحانه: ( ولنبلونكم بشيء من الجوع والخوف...) [ البقرة: ١٥٥]، لكن سورة آل عمران تحدثت عن القتل بصيغة الماضي الذي حدث؛ لأنها جاءت عقب أحد، وقد جاء التفصيل الذي في آل عمران منسجما مع واقع المصيبة الذي يحتاج إلى تسلية وتسرية، بينما كان يكفي عند التهيئة والإعداد مجرد الإشارة، وفي التفصيل ترسيخ حقيقة حياة الشهداء، من خلال تصوير مشاهد حية لتناول الرزق والفرح بفضل الله، وما دام الشهداء على هذه الحال من الفرح فما بال الذين من ورائهم يحزنون عليهم وما لهم لا يسعون للحاق بهم بدلاً من الحزن والوهن والاستكانة؟ والحديث عن الاستبشار بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم لشحذ هممهم. والملاحظة الثانية أن الخطاب في آل عمران للرسول عليه الصلاة والسلام، بينما كان الخطاب في البقرة موجهاً لجماعة المؤمنين بمن فيهم الرسول لأن شدة المصيبة تؤثر حتى في القيادة مهما علت منزلتها، فضلاً عن أن ذلك يتناسب مع جو كل من السورتين الكريمتين؛ حيث تقدم في البقرة الحديث عن المتقين قبل مخاطبة الرسول: ژ ٹ ٹ ٹ ٹ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ، وفي آل عمران تقدم خطاب الرسول على ذكر جميع الناس: ژ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ٹ ژ.
ومن الأوجه أن البقرة ضرورية للجانب المادي في الخلافة، بينما تكمن أهمية آل عمران، ونظرائهم من حمَلة الوحي الإلهي، في الجانب الديني لهذه الخلافة، وقد عبد اليهود العجل من جنس البقر، فيما عبد النصارى من آل عمران المسيح وأمه عليهما السلام.


الصفحة التالية
Icon