وهذا يعيدنا إلى ما يرويه البخاري في كتاب المغازي عن البراء : قال : كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت، الذين جاوزوا معه النهر ـ ولم يجاوز معه إلا مؤمن ـ بضعة عشر وثلاثمائة(١).
إن عدة الفئتين لم تكن وجه الشبه الوحيد، إذ يبدو أن إيراد القصة في أول سورة مدنية، كان تهيئة لأصحاب محمد - ﷺ -، كي يستعدوا للمعركة القادمة، متسلحين بالإيمان واثقين بنصر الله تعالى، غير آبهين بفارق العدد والعدة؛ وژ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ ژ ڑڑ ک ک ک ک ژ [البقرة]، وفيها توجيه لاستهداف أئمة الكفر، كما قتل داود جالوت، وهو ما طبقه أصحاب محمد - ﷺ -؛ إذ تسابق ـ حتى الفتيان ـ للنيل من أئمة الكفر وأكابر المجرمين، وما خبر أبي جهل بخاف، حيث يروي عبد الرحمن بن عوف ( إني لفي الصف يوم بدر إذ التفتّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه : أتعرف أبا جهل ؟ فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به ؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. فقال لي الآخر سراً من صاحبه مثله. قال : فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء)(٢). ومن اللطيف أن أول ما نزل بعد البقرة، سورة الأنفال (٣).
المبحث الخامس
التناسب بين سورة البقرة وموقعها في المصحف
مضى القول – في الفصل الأول- بتوقيفية ترتيب آي القرآن وسوره، وحيث تقدمت سورتا الفاتحة والبقرة هذا الموكب الكريم من سور القرآن الحكيم، فلا بد من حكم عظيمة لهذا الموقع المتقدم لسورة البقرة، تسعى المطالب الآتية إلى تجليتها.

(١) …البخاري، كتاب المغازي، رقم( ٣٩٥٨، ٣٩٥٩).
(٢) …البخاري، كتاب المغازي، رقم( ٣٩٨٨)، وكتاب فرض الخمس رقم( ٣١٤١)، ومسلم، رقم( ١٧٥٢).
(٣) …السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ( ١/ ١٩).


الصفحة التالية
Icon