وبعد، فقد كانت تلك محاولة متواضعة للكشف عن بعض أوجه التناسب القرآني عامة، والتناسب في سورة البقرة على وجه الخصوص، حيث سعت الدراسة إلى التعريف بسورة البقرة، وعلم المناسبات في القرآن الكريم، وأبرز المشتغلين بهذا العلم، وأجابت عن شبهات المعارضين، ثم عرّفت بجوانب أهمية هذا العلم، وانتقلت إلى أوجه التناسب القرآني وأنواعه، ثم عرضت لأوجه التناسب الداخلية في سورة البقرة، فأوجه التناسب الخارجية للسورة الكريمة مع غيرها.
الخلاصة:
وقد خلصت هذه الدراسة إلى النقاط الآتية:
أن فكرة التناسب القرآني قديمة قدم القرآن نفسه، ولطالما لفت النبي - ﷺ - المسلمين إلى التعامل مع القرآن الكريم باعتباره وحدة واحدة، وتنبه الصحابة ومَن بعدهم إلى أهمية السياق في التوصل إلى الفهم الصحيح للنص القرآني؛ والمعاني الإضافية التي يفيدها ترتيب آي القرآن وسوره، وانطلقوا في تفسيراتهم وتأويلاتهم منها، ولعل ضعف السليقة العربية في العصور التالية من جهة، وتركيز الكثيرين على التفصيلات والتفريعات النحوية والفقهية وغيرهما، مما أدى إلى غياب النظرة الكلية لآيات القرآن الكريم وسوره.
بعدما رصد البحث تطور فكرة المناسبة من الشعور بوجودها والتمثيل لها والاستدلال عليها، وما رافق ذلك من جدل أو معارضة، أو قلة اكتراث وتفاعل، فقد خلص إلى أن جل المعارضين لا يعارضون مبدأ التناسب، وإنما يعارضون ما يرونه تكلفاً، وأنّ تراوح المناسبات بين الوضوح والغموض، قد ساهم في ذلك، وأنّ الحديث عن التناسب لم يكن دائماً ينطلق من منهجية علمية مبنية على العلوم اللغوية وغيرها.
أن في تفسير الطبري كثيراً من الوقفات في الربط بين أجزاء السورة من خلال أدوات الربط وعلى رأسها حروف العطف، أو من خلال ما أسماه الكلام المحذوف الذي ترك لظهوره، وإن لم يستخدم مصطلح التناسب أو مرادفاته.