سبب النزول ما نزل بصدده قرآنٌ من حَدث أو سؤال. وأفادنا شيخ الإسلام أنّ الآية التي نزلت في شخص تختص بنوعه لا بشخصه. مثلاً نأخذ حديثاً مثّل به ابن دقيق في إحكام الأحكام، وهو الحديث المعروف :«ليس من البر الصيام في السفر» [متفق عليه]. سببه أنّ النبي - ﷺ - رأى رجلاً مُظللاً عليه في سفر وهو صائم فذكره. فهل هذا الحكم يختص بذاك الشخص الذي رآه النبي - ﷺ - ؟ أم بكل من شقَّ عليه الصيام في السفر؟ أم أنّ الصيام في السفر ليس من البر وإ لم يشق؟ الثاني هو الصحيح، وهو القول الوسط. فكل من كان حاله كحاله كان حكمه كحكمه. أما القول بأنّ الحكم يختص بشخصه فلا قائل به منا قرره شيخ الإسلام. وأما التعميم فلا وجه له؛ لأنه يجب أن يُعدَّى الحكم الوارد على سبب معين إلي نوع ذلك المعين فقط لا إلى العموم، ولا أن يختص بنفس ذلك الشخص. فربطه بعلته أولى من التعميم. إذاً العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن لابد من النظر قرائن الأحوال وملابسات الوقائع، فهذا الحديث ليس من العام المحفوظ، وإنما هو من العام الذي أُريد به الخصوص، ولذا صام النبي - ﷺ - في السفر وهو سيد الأبرار. وهذه مسألة مهمة أشار إليه القاسمي في محاسن التأويل المجلد الثالث صفحة إحدى وثمانين. ثم قال رحمه الله :
وَمَعْرِفَةُ " سَبَبِ النُّزُولِ " يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُورِثُ الْعِلْمَ بالمسبَّب؛ وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَا نَوَاهُ الْحَالِفُ رُجِعَ إلَى سَبَبِ يَمِينِهِ وَمَا هَيَّجَهَا وَأَثَارَهَا.


الصفحة التالية
Icon