وَمِنْ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ عَنْهُمْ وَيَجْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِ مُتَقَارِبَةٍ لَا مُتَرَادِفَةٍ فَإِنَّ التَّرَادُفَ فِي اللُّغَةِ قَلِيلٌ وَأَمَّا فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ فَإِمَّا نَادِرٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ وَقَلَّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِلَفْظِ وَاحِدٍ يُؤَدِّي جَمِيعَ مَعْنَاهُ ؛ بَلْ يَكُونُ فِيهِ تَقْرِيبٌ لِمَعْنَاهُ وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ إعْجَازِ الْقُرْآنِ
سبق الكلام عن الترادف في اللغة، وشيخ الإسلام هنا يقرر أنّ الترادف في القرآن قليل أو معدوم. فإنّ الآية إذا سيقت لمعنىً معين لا يستطيع إنسان أن يأتي بلفظ يؤدي هذا المعنى كما جاء في لفظ الآية، وهذا حقيقة الإعجاز في النظم القرآني. أن كل لفظ في القرآن الكريم مهما أتيت بلفظ آخر لا يمكن أن يقوم مكانه في أداء المعنى. والأمثلة على ذلك كثيرة ولكني أكتفي بذكر نموذج واحد ذكره علماء البلاغة، في قول الله تعالى في سورة يوسف: ﴿ وما أنت بمؤمن لنا ﴾ لو طُلب منك أن تأتي بكلمة ترادف كلمة ﴿ بمؤمن ﴾ ويدخل تحتها من المعاني ما يدخل تحت كلمة ﴿ بمؤمن ﴾ لنا لما وجدت. فإن قيل: ألا تفي كلمة ﴿ بمصدق لنا ﴾ بذلك؟ فالجواب : لا. لماذا؟ لأنهم أرداوا أنه لن يطمئن إليهم ولو كانوا صادقين، ومعنى الاطمئنان تتفرد به كلمة ﴿ بمؤمن لنا ﴾، بخلاف ما لو قالوا : لن تصدقنا.
مثال آخر قال تعالى :﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾، لو طُلب منك أن تأتي بكلمة بديلة لكلمة ﴿ على خلق ﴾ ماذا تقول؟ وإنك لذو خلق؟ لم تعط المعنى حقه؛ لأن ﴿ على خلق ﴾ تدل على الاتصاف والتمكن من هذه الأخلاق، بخلاف : ذو خلق الدالة على الاتصاف دون التمكن.


الصفحة التالية
Icon