- الجاحظ، والرماني- لها، وهو مفهوم لا يقدح في بلاغة القرآن، ولا ينكر تفوقه، بل هو يقر بهذا الإعجاز، ويعترف به، ويحس أن ما جاء به القرآن الكريم خارج عن طوق البشر ومقدورهم، فالصرفة عند الجاحظ ضرب من التدبير الإلهي، والعناية الربانية، جاءت لمصلحة المسلمين. (١) حتى يحفظ القرآن من عبث العابثين، وتشكيك المشككين، الذين يمكنهم أن يخدعوا الناس، ويزوروا أمامهم الحقائق، وقد صرف الله نفوس القوم عن معارضة القرآن، لا لأنهم قادرون على مثله والله منعهم من ذلك كما قال - النظام -، ولكن لئلا يكون لأهل الشغب وضعاف الإيمان متعلق للطعن والتشكيك، وإفساد عقائد ذوي النفوس المريضة، يقول الجاحظ :( ومثل ذلك ما رفع من أوهام العرب، وصرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن، بعد أن تحداهم بنظمه، ولذلك لم نجد أحدا طمع فيه، ولو طمع فيه لتكلفه، ولو تكلف بعضهم ذلك، فجاء بأمر فيه أدنى شبهة، لعظمت القضية على الأعراب، وأشباه الأعراب، والنساء، وأشباه النساء، ولألقى ذلك للمسلمين عملا، ولطلبوا المحاكمة والتراضي ببعض العرب، ولكثر القيل والقال ) (٢). ويذكر الجاحظ هذا المفهوم للصرفة في موضع آخر من كتابه الحيوان، فيقول:-( وذكرنا من صرف أوهام العرب عن محاولة معارضة القرآن، ولم يأتوا به مضطربا، ولا ملفقا، ولا مستكرها، إذ كان في ذلك لأهل الشغب متعلق ) (٣).
(٢) - الجاحظ : الحيوان - ج٦ ص٢٩٦.
(٣) - الجاحظ : الحيوان -ج٤/ ص٩٠.