رابعا :- القول بالصرفة يتعارض مع الآية السابقة، لأنه لا يقال في الجماعة إذا امتنع عليها الشيء : إن بعضها يكون ظهيرا لبعض، لأن المعاونة، والمظاهرة، إنما تمكن مع القدرة، ولا تصح مع العجز، والمنع.) (١). وبعد أن قدم - القاضي عبد الجبار- هذه الأدلة التي نقض بها مفهوم من تقدموه عن - الصرفة -، توصل القاضي الى مفهوم جديد للصرفة، وهو في هذه المرة يرتبط بالقوم أنفسهم، وليس شيئا خارجا عنهم، أو مفروضا عليهم فرضا، وهذا المفهوم هو :-( أن دواعيهم انصرفت عن المعارضة، لعلمهم بأنها غير ممكنة، على ما دللنا عليه، ولولا علمهم بذلك، لم تكن لتنصرف دواعيهم، لأنا نجعل انصراف دواعيهم تابعا لمعرفتهم بأنها متعذرة..) (٢). فهي صرفة تشبه اليأس الذي يعتري الانسان من أمر ما حاوله عدة مرات، وكان يمنى كل مرة بالإخفاق الذريع، فإذا بعزيمته تتثبط، وهمته تنهار، وذلك كان شأن القوم مع القرآن، فلم يكن تركهم للمعارضة لأمر خارجي، وإنما لإحساسهم باليأس، وتيقنهم من العجز عن الإتيان بمثل القرآن، ثم ينهي- القاضي-حديثه عن مفهومه للصرفة، فيقول :-( فالصحيح ما قلناه، من أنهم علموا بالعادة تعذر مثله، فصار علمهم صرفا عن المعارضة.) (٣).
(٢) - المغني ( مرجع سابق ) ج١٦ / ص ٣٣٤.
(٣) - المغني :(مرجع سابق) ج١٦ / ص ٣٢٥، والقاضي عبد الجبار : شرح الأصول الخمسة، ٥٨٦-٥٨٩.