وقال في جامع التفاسير :-( فلما رئي أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل واد من المعاني بسلاطة ألسنتهم، وقد دعا الله جماعتهم إلى معارضة القرآن، وعجزهم عن الإتيان بمثله، وليس تهتز غرائزهم ألبتة للتصدي لمعارضته، لم يخف على ذي لب أن صارفا إلهيا يصرفهم عن ذلك، وأي إعجاز أعظم من أن تكون كافة البلغاء مخيرة في الظاهر أن يعارضوه، ومجبرة في الباطن عن ذلك، وما أليقهم بإنشاد أبي تمام :
فإن نك أهملنا فأضعف بسعينا وإن نك أجبرنا ففيم نتعتع.
والله ولي التوفيق والعصمة. ) (١)
وقال الماوردي ( أبو الحسن علي بن محمد ت ٤٥٠هـ ) بالصرفة :-
فبعد أن ذكر وجوه إعجاز القرآن في كتابه - أعلام النبوة - قال :( الوجه العشرون من أوجه إعجازه : الصرفة عن معارضته، واختلف من قال بها : هل صرفوا عن القدرة على معارضته مع دخوله في مقدورهم.. ؟ على قولين :
أحدهما :- إنهم صرفوا عن القدرة، ولو قدروا لعارضوا.
والقول الثاني :- إنهم صرفوا عن المعارضة مع دخوله في مقدورهم.
والصرفة إعجاز على القولين معا، في قول من نفاها ومن أثبتها، فخرقها للعادة فيما دخل في القدرة، ثم يقول : فإذا ثبت إعجاز القرآن من هذه الوجوه كلها، صح أن يكون كل واحد منها معجزا، فإذا جمع القرآن سائرها كان إعجازه أقهر، وحجاجه أظهر، وصار كفلق البحر، واحياء الموتى، لأن مدار الحجة في المعجزة إيجاد ما لا يستطيع الخلق مثله ) (٢)
ص ١٠٩. وانظر علوم القرآن عند المفسرين، ج٢/ ص٤٠٢-٤٠٣.
(٢) - الماوردي : أعلام النبوة - ص ٨٥-٨٦.