والنحو الرابع : ما وجه إعجازه.. ؟ فقالت طائفة : وجه إعجازه كونه في أعلى مراتب البلاغة، وقالت طوائف :- إنما وجه إعجازه أن الله منع الخلق من القدرة على معارضته فقط، فأما الطائفة التي قالت : إنما إعجازه لأنه في أعلى درج البلاغة، فإنهم شغبوا في ذلك، بأن ذكروا آيات منه، مثل قوله تعالى :( ولكم في القصاص حياة) (١) ونحوهذا، وموه بعضهم بأن قال : لو كان كما تقولون من أن الله تعالى منع من معارضته فقط، لوجب أن يكون أغث ما يمكن أن يكون من الكلام، فكانت تكون الحجة بذلك أبلغ ). وبعد رده على هذين الدليلين قال :(فلا بد لهم من هذه الخطة، أو من المصير إلى قولنا: إن الله منع من معارضته فقط ).
وقال :( فصح أنه ليس من نوع بلاغة الناس أصلا، وأن الله منع الناس من مثله، وكساه الإعجاز، وسلبه جميع كلام الخلق )، ثم قال في آخر كلامه :- [ والحق من هذا هو ما قاله الله تعالى :( قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله..) (٢) وأن كل كلمة قائمة المعنى، يعلم إذا تليت أنها من القرآن، فإنها معجزة، لا يقدر أحد على المجيء بمثلها أبدا، لأن الله تعالى حال بين الناس وبين ذلك ] (٣).
ولو تأملنا قول ابن حزم السابق ( منع الناس عن مثله وكساه الإعجاز ) نجده كلاما فيه تناقضا، لأنه لا معنى لأن يكسوه الله الإعجاز، إذا كان عجز البشر عنه منعا منه سبحانه، وما دام الوجه هو منع الناس، فلا يوصف النظم بالإعجاز، لأن المعجز هو منع الناس عن الإتيان بمثله، فالمنع يخلع صفة الإعجاز عن النظم، وينقلها إلى المنع.
(٢) -سورة الإسراء، آية / ٨٨.
(٣) - ابن حزم : الفصل، ج٣/ ص١٧-٢١. وانظر د. مصطفى مسلم : مباحث في إعجاز القرآن، ص ٦٣.