وهذا رأي عجيب من ابن سنان، لأنه على ما يبدو، إنما ألف كتابه – - سر الفصاحة – ليبين أن أسرار إعجاز القرآن تكمن في فصاحته، فكيف استطاع أن يوفق بين قوله بأن إعجاز القرآن يكمن في فصاحته، وبين قوله بالصرفة.. ؟ أم أنه كما يقول الدكتور محمد محمد أبو موسى :( وكان الأمير الخفاجي – رحمه الله وأثابه – قليل التدقيق والتروي، وفي كتابه تجاوزات كثيرة. مرجعها غالبا إلى واحد من أمرين : السرعة المؤدية إلى عدم إحكام مقالة أهل العلم، أو ضعف سليقة الرجل، وإحساسه بالفروق بين طبقات الكلام، وهذا لا يدفع أن الرجل قد هدي إلى كثير من الدقائق..) (١)
المبحث السادس
بطلان القول بالصرفة
مما سبق تبين لنا أن الصرفة نشأت في بيئة المعتزلة على يد -النظام -ومن تابعه، واعتبروها وجها من وجوه إعجاز القرآن، - مع اختلافهم على مفهومها -، وقال بها كذلك طائفة من علماء أهل السنة، والظاهرية، والشيعة الامامية، مع عدم موافقة بعضهم على مفهوم - النظام – لها، ويمكننا أن نتعرف من أقوال القائلين بالصرفة على المفاهيم التالية :-
المفهوم الأول : مفهوم النظام ومن تابعه، فقد ذهبوا إلى أن العرب صرفوا عن المعارضة جبرا، ولم يتوجهوا إليها، ولو توجهوا لاستطاعوا الإتيان بمثل القرآن، وهذا المذهب ينفي عن القرآن الإعجاز.
والمفهوم الثاني : قال به الشريف المرتضى، وابن سنان الخفاجي، ومن تابعهما، فقد ذهبوا إلى أن الله سلب من العرب علومهم التي يحتاجون إليها في معارضة القرآن، والإتيان بمثله، ولو توجهوا لمعارضته، لما استطاعوا أن يأتوا بمثل القرآن.
وانظر د. أحمد سيد محمد عمار : نظرية الإعجاز القرآني، وأثرها في النقد العربي القديم، ص ٤٢ وما بعدها. ( بتصرف ) ط١، ١٩٩٨م، دارالفكر، دمشق.