والصحيح : أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يضع خطبة، أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لايزال ينقحها حولا كاملا، ثم تعطى لآخر بعده، فيبدل فيها وينقح، ثم لا تزال فيها بعد ذلك مواضع للنظر والبدل، وكتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد. إلى أن يقول : فصورة قيام الحجةبالقرآن علىالعرب : أنه لما جاء محمد – - ﷺ – به وقال :( فأتوا بسورة من مثله ) (١)، قال كل فصيح في نفسه : وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله ؟ فلما تأمله وتدبره، ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال : والله ما هو بالشعر، ولا هو بالكهانة، ولا بالجنون، وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا قدرة لبشر على مثله، فصح عنده أنه من عند الله، فمنهم من آمن وأذعن، ومنهم من حسد كأبي جهل وغيره، ففر إلى القتال، ورضي بسفك الدم، عجزا عن المعارضة، حتى أظهر الله دينه، ودخل جميعهم فيه، ولم يمت رسول الله – ﷺ – وفي الأرض قليل من العرب يعلن كفره. ) (٢)
٥- قال أبو حيان ( أبو علي محمد بن يوسف بن علي الأندلسي ت ٦٥٤هـ) :
(٢) - ابن عطية : المحرر الوجيز، ج١/ ص ٧١- ٧٣، و القرطبي : الجامع لأحكام القرآن –، ج١/ ص٥١.