اختلفوا فيما به إعجاز القرآن، فمن توغل في أساليب الفصاحة وأفانينها، وتوغل في معارف الآداب وقوانينها، أدرك بالوجدان أن القرآن أتى في غاية من الفصاحة لا يوصل إليها، ونهاية من البلاغة لا يمكن أن يحام عليها، فمعارضته عنده غير ممكنة للبشر، ولا داخلة تحت القدر، ومن لم يدرك هذا المدرك، ولا سلك هذا المسلك، رأى أنه من نمط كلام العرب، وأن مثله مقدور لمنشئ الخطب، فإعجازه عنده إنما هو بصرف الله تعالى إياهم عن معارضته، ومناضلته، وإن كانوا قادرين على مماثلته. والقائلون بأن الإعجاز وقع بالصرف، هم من نقصان الفطرة الإنسانية في رتبة بعض النساء، حين رأت زوجها يطأ جارية، فعاتبته، فأخبر أنه ما وطئها، فقالت له : إن كنت صادقا فاقرأ شيئا من القرآن، فأنشدها بيت شعر ذكر الله فيه ورسوله وكتابه فصدقته، فلم ترزق من الرزق ما تفرق به بين كلام الخلق وكلام الحق.) (١)
٧- إجماع الأمة قبل ظهور القول بالصرفة على أن إعجاز القرآن ذاتي، وقد حكى الإمام القرطبي:( محمد بن أحمد ت٦٨٤هـ) الإجماع في كتابه (الجامع لأحكام القرآن ) فقال بعد أن ذكر قول القائلين بالصرفة :( وهذا فاسد، لأن الإجماع قبل حدوث المخالف : أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا : إن المنع والصرفة هو المعجز، لخرج القرآن عن أن يكون معجزا، وذلك خلاف الإجماع، وإذا كان كذلك، علم أن نفس القرآن هو المعجز، وأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة، إذ لم يوجد كلام قط على هذا الوجه، فلما لم يكن كذلك مألوفا معتادا منهم، دل على أن المنع والصرفة، لم يكن معجزا.) (٢)
٨- تحدث العلوي :( يحيى بن حمزة ت ٧٤٩هـ ) عن الصرفة كذلك وردها، بعد أن بين أن لها تفسيرات ثلاثة، فقال: -

(١) - أبو حيان : البحر المحيط ج١/ ص ٨-٩.
(٢) - القرطبي : الجامع لأحكام القرآن، ج١/ ص٧٥. وانظر : د. عبد الفتاح محمد سلامة: قضية الإعجاز بين المتقدمين والمتأخرين، ص ١٥٤.


الصفحة التالية
Icon