التفسير الأول :-أن يريدوا بالصرفة أن الله تعالى سلب دواعيهم إلى المعارضة، مع أن أسباب توفر الدواعي في حقهم حاصلة من التقريع بالعجز، والاستنزال عن المراتب العالية، والتكليف بالإنقياد والخضوع، ومخالفة الأهواء.
التفسير الثاني :- أن يريدوا بالصرفة أن الله تعالى سلبهم العلوم التي لا بد منها في الإتيان بما يشاكل القرآن، ويقاربه، ثم إن سلب العلوم يمكن تنزيله على وجهين،
أحدهما أن يقال : إن تلك العلوم كانت حاصلة لهم على جهة الاستمرار، لكن الله تعالى أزالها عن أفئدتهم، ومحاها عنهم.
وثانيها أن يقال : إن تلك العلوم ما كانت حاصلة لهم، خلا أن الله تعالى صرف دواعيهم عن تجديدها، مخافة أن تحصل المعارضة.
التفسير الثالث :- أن يراد بالصرفة : أن الله تعالى منعهم بالإلجاء على جهة القسر عن المعارضة - مع كونهم قادرين -، وسلب قواهم عن ذلك، فلأجل هذا لم تحصل من جهتهم المعارضة.
وحاصل الأمر في هذه المقالة : أنهم قادرون على إيجاد المعارضة للقرآن، إلا أن الله تعالى منعهم بما ذكرناه، والذي غر هؤلاء حتى زعموا هذه المقالة، ما يرون من الكلمات الرشيقة، والبلاغات الحسنة، والفصاحات المستحسنة، الجامعة لكل الأساليب البلاغية في كلام العرب الموافقة لما في القرآن، فزعم هؤلاء أن كل من قدر على ما ذكرناه من تلك الأساليب البديعة، لا يقصر عن معارضته، خلا ما عرض من منع الله إياهم بما ذكرنا من الموانع، والذي يدل على بطلان هذه المقالة براهين :-
البرهان الأول منها : أنه لو كان الأمر كما زعموه، من أنهم صرفوا عن المعارضة مع تمكنهم منها، لوجب أن يعلموا ذلك من أنفسهم بالضرورة، وأن يميزوا بين أوقات المنع، والتخلية، ولو علموا ذلك، لوجب أن يتذاكروا في حال هذا المعجز على جهة التعجب، ولو تذاكروا لظهر وانتشر على حد التواتر، فلما لم يكن ذلك، دل على بطلان مذاهبهم في الصرفة.