البرهان الثاني : لو كان الوجه في إعجازه هو الصرفة - كما زعموه -، لما كانوا مستعظمين لفصاحة القرآن، فلما ظهر منهم التعجب لبلاغته، وحسن فصاحته - كما أثر عن الوليد بن المغيرة - حيث قال : إن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمعذق، وإن له لطلاوة، وإن عليه لحلاوة، فإن من المعلوم من حال كل بليغ وفصيح سمع القرآن يتلى عليه، فإنه يدهش عقله، ويحير لبه، وما ذاك إلا لما قرع مسامعهم من لطيف التأليف، وحسن مواقع التصريف في كل موعظة، وحكاية كل قصة، فلو كان ما زعموه من الصرفة، لكان العجب من غير ذلك، فلو كان كما زعمه أهل الصرفة، لم يكن للتعجب من فصاحته وجه، فلما علمنا بالضرورة إعجابهم بالبلاغة، دل على فساد هذه المقالة.
البرهان الثالث : الرجع بالصرفة التي زعموها، هو أن الله تعالى أنساهم هذه الصيغ، فلم يكونوا ذاكرين لها بعد نزوله، ولا شك أن نسيان الأمور المعلومة في مدة يسيرة، يدل على نقصان العقل، ولهذا فإن الواحد إذا كان يتكلم بلغة مدة عمره، فلو أصبح في بعض الأيام لا يعرف شيئا من تلك اللغة، لكان دليلا على فساد عقله وتغيره، والمعلوم من حال العرب، أن عقولهم ما زالت بعد التحدي بالقرآن، وأن حالهم في الفصاحة والبلاغة بعد نزوله كما كان من قبل، فبطل ما عول عليه أهل الصرفة. ) (١)
٩- رد الشريف الجرجاني ( السيد علي بن محمد ت ٨١٢هـ ) شبه القادحين في إعجاز القرآن فقال :- ( وأما القول بالصرفة فلوجوه، الأول : الاجماع قبل هؤلاء) القائلين بها (على أن القرآن معجز، و)على هذا القول يكون المعجز هو الصرف لا القرآن، ألا ترى أنه