وأما الفرض الثاني : فينقضه الواقع التاريخي أيضا، ودليلنا على هذا ما تواترت به الأنباء، من أن بواعث العرب إلى المعارضة قد وجدت سبيلها إلى نفوسهم، ونالت منالها من عزائمهم، فهبوا هبة رجل واحد، يحاولون القضاء على دعوة القرآن، بمختلف الوسائل، فلم يتركوا طريقا إلا سلكوه، ولم يدعوا بابا إلا دخلوه. لقد آذوه، وآذوا أصحابه، فسبوا من سبوا، وعذبوا من عذبوا، وقتلوا من قتلوا. ولقد قاطعوه وقاطعوا أسرته الكريمة، لا يبيعون لهم ولا يبتاعون، ولا يتزوجون منهم، ولا يزوجون، واشتد الأمر حتى أكلت الأسرة الكريمة ورق الشجر. ولقد فاوضوه أثناء هذه المقاطعة التي تلين الحديد مفاوضات عدة، وعرضوا عليه عروضا سخية مغرية، منها : أن يعطوه حتى يكون أكثرهم مالا، وأن يعقدوا له لواء الزعامة فلا يقطعوا أمرا دونه، وأن يتوجوه ملكا عليهم إن كان يريد ملكا، وأن يلتمسوا له الطب إن كان به مس من الجن. كل ذلك في نظير أن يترك هذا الذي جاء به. ولما أبى عليهم ذلك عرضوا عليه أن يهادنهم ويداهنهم، فيعبد آلهتهم سنة، ويعبدون إلهه سنة، فأبى أيضا.


الصفحة التالية
Icon