ولقد اتهموه – ﷺ – بالسحر، وأخرى بالشعر، وثالثة بالجنون، ورابعة بالكهانة، وكانوا يتعقبونه وهو يعرض نفسه على قبائل العرب أيام الموسم، فيبهتونه، ويكذبونه أمام من لا يعرفونه، ولقد شدوا وطأتهم على أتباعه حتى اضطروهم أن يهاجروا من وطنهم، ويتركوا أهلهم وأولادهم وأموالهم فرارا إلى الله بدينهم. ولقد تآمروا على الرسول أن يثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، لولا أن حفظه الله وحماه من مكرهم، وأمره بالهجرة من بينهم. ولقد أرسلوا إليه الأذى بعد ذلك في مهاجره، فشبت الحرب بينه وبينهم في خمس وسبعين موقعة، منها سبع وعشرون غزوة، وثمان وأربعون سرية. فهل يرضى عاقل لنفسه أن يقول بعد ذلك كله : إن العرب كانوا مصروفين عن معارضة القرآن، ونبي القرآن، وإنهم كانوا مخلدين إلى العجز والكسل، زاهدين في النزول إلى هذا الميدان. ؟
وأما الفرض الثالث : فينقضه ما هو معروف من أن العرب حين خوطبوا بالقرآن قعدوا عن معارضته، اقتناعا بإعجازه، وعجزهم الفطري عن مساجلته، ولو أن عجزهم هذا كان لطارئ مباغت عطل قواهم البيانية، لأثر عنهم أنهم حاولوا المعارضة بمقتضى تلك الدوافع القوية التي شرحناها، ففوجئوا بما ليس في حسبانهم، ولكان هذا مثار عجب لهم، ولأعلنوا ذلك في الناس، ليلتمسوا لأنفسهم العذر، وليقللوا من شأن القرآن في ذاته، ولعمدوا إلى كلامهم القديم، فعقدوا مقارنة بينه وبين القرآن، يغضون بها من مقام القرآن وإعجازه، ولكانوا بعد نزول القرآن أقل فصاحة وبلاغة منهم قبل نزوله، ولأمكننا نحن الآن، وأمكن المشتغلين بالأدب العربي في كل عصر، أن يتبينوا الكذب في دعوى إعجاز القرآن، وكل هذه اللوازم باطلة، فبطل ما استلزمها وهو القول بالصرفة..) (١)

(١) - الزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن، ( مرجع سابق ) ج٢/ ص٣١٠-٣١٥ ( باختصار يسير )


الصفحة التالية
Icon