وأمر - الطفيل بن عمرو الدوسي - كأمر هؤلاء الذين أثر فيهم القرآن، كان شريفا في قومه، شاعرا نبيلا، قدم مكة، فمشى إليه رجال من قريش يحذرونه من اتباع محمد – ﷺ - قائلين : إنا نخشى عليك وعلى قومك، فإذا ما دخل عليك فلا تكلمه ولا تسمع منه، يقول الطفيل : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت - أي قصدت وعزمت -على أن لا أ سمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت المسجد فحشوت أذني كرسفا ( أي قطنا ) فرقا ( أي خوفا ) من أن يبلغني شيئا من قوله، فإذا رسول الله
- ﷺ - قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبى الله إلا أن أسمع بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا، فقلت في نفسي : أنا ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني من أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلت، وإن كان قبيحا تركت، فمكثت حتى انصرف إلى بيته، فقلت : يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا، حتى سددت أذني بكرسف كي لا أسمع قولك، فاعرض علي أمرك، فعرض عليه الاسلام، وتلا عليه القرآن، قال الطفيل : والله ما سمعت قط قولا أحسن من هذا، ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت.) (١)
وأكتفي بما ذكرته من أخبار منسوبة لمشركي قريش، تدل على اعترافهم الصريح بإعجاز القرآن الكريم، وبلوغه درجة في البيان لم يبلغها شاعر، ولا خطيب منهم، وتبين تأثيره في القلوب التي كانت تهفو لمعرفة الحق، وتتوق للوصول إلى الطمأنينة والأمان، وفي القلوب الصلدة رغم المكابرة والعداوة، فلامس القرآن شغاف قلوب بعضهم، وملك أفئدتهم وعقولهم فعرفوا مزيته وإعجازه، فقادهم إلى صراط الحق القويم.
الخاتمة
بعد هذا العرض لمفهوم الصرفة، تبينت لي حقيقتان هامتان، أشير إليهما بإجمال :