ومما يؤيد احتمال كون فكرة - الصرفة - من التيارات الفكرية الوافدة، ما ذكره الجاحظ- في كتابه البخلاء -من صور هذا الغزو الفكري الذي بدأ يتسرب إلي ديار المسلمين في صدر العصر العباسي، منذ أن اتخذ أبو جعفر المنصور - الطبيب جورجيس بن بختيشوع - طبيبا خاصا له، قال الجاحظ :( إن طبيبا عربيا مسلما يدعى- أسد بن حاني - كسدت حاله مرة، فقال له قائل : السنة وبيئة – - أي : كثيرة الأوبئة - والأمراض فاشية، وأنت عالم، ولك صبر وخدمة، ولك بيان ومعرفة، فمن أين يأتيك الكساد ؟ قال : أما واحدة فإني عندهم مسلم، وقد اعتقد القوم قبل أن أتطبب، بل قبل أن أخلق أن المسلمين لا يفلحون في الطب، واسمي أسد، وكان ينبغي أن يكون اسمي : صليبا أو يوحنا، وكنيتي : أبو الحارث، وكان ينبغي أن يكون : أبو عيسى، أوأبو زكريا، أو أبو ابراهيم، وعلي رداء قطن أبيض، وكان ينبغي أن يكون علي رداء حرير أسود. ولفظي عربي، وكان ينبغي أن تكون لغتي لغة أهل – جند يسابور- ) (١)، وهذه الرواية إن دلت على تسامح المسلمين، وبعدهم عن التعصب الذي يرميهم أعداؤهم به ظلما وعدوانا، فهي تدل كذلك على تسلل الغزو الفكري، حتى استمكن وتوطن في عصر كانت الدولة الإسلامية رافعة أعلام عزها، وباسطة سلطان مجدها.