وفي هذا تعليم للدعاة لتوظيف ما هو واقع في حياة الناس من المحسوسات المادية للوصول إلى المعاني السامية في الدعوة (١٠٠).
٢ - قال تعالى :(وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) الآية ١١٢ - ١١٣ النحل.
ذكر بعض المفسرين ومنهم ابن جرير وابن كثير أن القرية المراد بها مكة فلما أنكر أهلها نبوة النبي ﷺ وعاندوه وصدوه دعا عليهم بقوله :" اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فأصابهم سنة أذهب كل شيء وابتلوا بالقحط فاضطروا إلى أكل الجيف والكلاب الميتة والعظام، ثم قتل رؤساؤهم في بدر.(١٠١) ورجح بعض المفسرين أن المراد بالقرية عامة، سواء مكة أم غيرها؛ لأن الجزاء من جنس العمل لأن تنكير قرية يفيد ذلك ومكة تدخل في هذا العموم (١٠٢)، من أجل هذا يلتمس المسلم من خلال ضرب المثل بالنعمة ثم سلبها، حكمة الله فيحرص على الأسباب التي توفر له بقاء النعمة ويتجنب الأسباب التي تؤدى إلى زوالها.
٣ - قال تعالى :(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) النحل/٩١ - ٩٢. قال مجاهد : هو مثل لمن نقض عهده بعد توكيده، وهذا القول أرجح وأظهر ممن نقض العهد كان كمن نقض الغزل بعد فتله وإبرامه، فهو ليس من فعل العقلاء، بل في زمرة الحمقى (١٠٣)؛ فالمسلم مطالب بالوفاء بالعهد، لذا حذرت الآيات من عدم الوفاء بالعهد واعتبرته خللاً في سلوك الإنسان.
الفصل الثاني : الفوائد التربوية من خلال ذكر الحقائق في سورة النحل