وجميع آيات السورة مكية ما عدا آخر ثلاث آيات فهى مدنية نزلت بعد غزوة أحد. عن ابن عباس قال :" والنحل سوى ثلاث آيات فإنهن نزلن بين مكة والمدينة " (٨) فهذه الآيات الكريمة جاءت تعقيبا على غزوة أحد، والغزوة وقعت بعد الهجرة، وجبل أحد في المدينة، فعلى هذا تكون هذه الآيات مدنية حسب المعايير التي اعتمدها العلماء عند تقسيمهم للمكي والمدني من حيث اعتبار الزمان والمكان والموضوع.
مناسبة سورة النحل لما قبلها وبعدها :
علم المناسبة علم من علوم القرآن المستقلة المهمة، أثار اهتمام العلماء وعرفوه بأنه هو : العلم بعلل الترتيب بين السابق واللاحق، وموضوعه : أجزاء الشىء المطلوب علم مناسبته من حيث الترتيب. وثمرته : الاطلاع على الرتبة التي يستحقها الجزء، بسبب ما له علاقة بما وراءه وما أمامه من الارتباط والتعلق الذى هو كلحمة النسب (٩).
وأما إذا أردنا معرفة المناسبة بينها وبين سورة الحجر التي سبقتها، فنقول : كلتا السورتين تشتركان في موضوع واحد حيث نزلت سورة الحجر في وقت اشتد فيه أذى المشركين للرسول ﷺ وللمسلمين، وبلغ العناد والصدود مبلغاً كبيراً، فنزلت الآيات تسليه وتواسيه، وتحثه على الصبر. قال تعالى :
(فاصدع بما تؤمروأعرض عن المشركين) الحجر/٩٤.
ونلمس الترابط بين السورتين في قوله تعالى :(فوربك لنسئلنهم أجمعين) الحجر /٩٢ وفي هذا إشارة إلى حشرهم يوم القيامة، وسؤالهم عمّّّا أجرموه في دار الدنيا وفي قوله تعالى في سورة النحل :(أتى أمر الله) النحل/١، وهو يوم القيامة (١٠)
ويظهر الترابط بين آخر آية من سورة الحجر قال تعالى :(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الحجر /٩٩. وهو صالح لموت الكل ولكشف الغطاء عنهم بعد الموت بإتيان ما يوعدون به، لذا ابتدأ سورة النحل بهذا المعنى الذي ختم به سورة الحجر، فقال تعالى :(أتى أمر الله فلا تستعجلوه) النحل/١.