وذلك كله قبل الإسلام حيث كانت اللغة في مهدها في جزيرة العرب وبوسعك أن تتصور مستقبل لغة فيها هذه الفوارق منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام...!. خصوصاً إذا خرجت هذه اللغة عن إطارها التقليدي ضمن الجزيرة العربية لتمتد من خراسان وأذربيجان إلى الهلال الخصيب فالأندلس مروراً بالشمال الأفريقي كله، لاشك أنها ستصبح حينئذٍ ركاماً هائلاً من اللغات واللهجات التي لا يضبطها ضابط ولا يجمعها قانون. ومراراً كانت تأتي وفود العرب إلى النبي - ﷺ -
فتحدثه بلهجاتها ولغاتها فيخاطبها النبي - ﷺ - بما تعودته من لهجاتها، فيكون ذلك مثار دهشة الأصحاب وعجبهم.
من ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن وفداً من حمير جاءوا إلى النبي - ﷺ - فقالوا: يا رسول الله.. أمِنَ امْبِرِّ امْصيام في امْسَفَر؟.
فقال - ﷺ -: ليس منَ امْبِرِّ امصيام في امْسَفَر.
وتعجب الأصحاب مما سمعوا، حتى تبين لهم أن الوفد حي من العرب يبدلون اللام ميماً والميم لاماً. وكان سؤالهم: أمن البر الصيام في السفر؟ فجاء جواب النبي - ﷺ -: ليس من البر الصيام في السفر(١٠).
ولولا القرآن الكريم ودقة الضبط في روايته وتلقيه ضمن حدود القراءات، لأصبحت العربية أثراً بعد عين، ولصار جمع العرب على لغة واحدة أشبه بجمع شعوب القارة الأفريقية اليوم على لغةٍ واحدة.


الصفحة التالية
Icon