من المسلم به أن النبي - ﷺ - كان يأمر بكتابة الوحي فور نزوله، حيث كان كتاب الوحي يتلقونه عن الرسول - ﷺ - مباشرة فيسطرونه فيما يتيسر لديهم من وسائل الكتابة من اللخاف والرقاق وورق البردى وغير ذلك، ولا يوجد في المنطق والواقع والرواية ما يعكر هذا الفهم، إذ كانت مكة أصلا بلد ثقافة، والقراء والكتاب فيها متوافرون، حيث كانت المجامع الثقافية الموسمية في عكاظ والمجنة وذي المجاز وغيرها تفرض على شباب مكة تحصيل جانب من القراءة والكتابة، ولذلك فقد جعل النبي - ﷺ - فداء الأسير من قريش يوم بدر أن يعلم عشرة من أطفال المسلمين في المدينة القراءة والكتابة.
وهكذا فإن قلة عدد الصحابة بمكة مقترن بأن غالبيتهم يحسن القراءة والكتابة، وهو يدفع عنا توهم ضياع شيء من نصوص الوحي، حيث كان النبي - ﷺ - يتلقى أولاً عن جبريل ثم يقرئ من حوله من الأصحاب، ويأمر بكتابة ذلك في الصحف.
أما الآيات الأولى من سورة العلق التي تلقاها النبي - ﷺ - في غار حراء منفرداً، ونظائرها مما تلقاها في غيبة أصحابه فإن حمله (لها ثم أمره إلى الصحابة بنسخها في المصاحف ليس مما يعسر فهمه وتباينه عند من يعتقد بأنه تنزيل من رب العالمين.
وفي المدينة كان الأصحاب من الكثرة والاجتماع حول النبي - ﷺ - إلى حد يطمئن فيه المرء أن سائر الوحي تلقته الكتبة في الصحف بحضرة المعصوم - ﷺ -، وهو ما تواترت على إثباته الروايات والقرائن والأدلة.
وأشهر كتاب الوحي بين يدي النبي - ﷺ - أبان بن سعيد بن العاص الأموي، وأبي بن كعب والأرقم بن أبي الأرقم، والزبير بن العوام، وزيد بن ثابت، وأبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعامر بن فهيرة، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، والعلاء بن عقبة، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وسجلّ الكاتب(٥٠٦)


الصفحة التالية
Icon