ولم يأمر النبي - ﷺ - بجمع سائر الصحف في كتاب، وذلك أنه كان يتوقع دائماً نزول القرآن الكريم، ونسخ بعض ما نزل، فكان إذا نزلت السورة يقتصر على قوله: اجعلوا هذه مكان كذا وكذا، فيعرف أصحابه الكرام مراده بالترتيب من غير أن تتم الكتابة النهائية لسائر آي القرآن الكريم في مصحف واحد.
قال الخطابي: إنما لم يجمع (القرآن في المصحف لما كان يرقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر، وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن".. الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله - ﷺ -، لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.(٥٠٧)
وهكذا فإن النبي - ﷺ - كان يأمر بكتابة القرآن عنه من غير أن يأمر باستقصاء ذلك كله في مصحف واحد، وكل ذلك بوحي، فالمسألة توقيفية لا مجال فيها للاجتهاد.
وكان رسول الله - ﷺ - يعرض القرآن الكريم في كل عام مرة على جبريل الأمين خلال شهر رمضان، وفي سنته الأخيرة (عرضه مرتين وفي ذلك يقول (: "إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل شهر رمضان مرّة وإنه عارضني هذا العام مرتين وما أراه إلاّ قد حضر أجلي"(٥٠٨)
فبذلك تم نزول القرآن كله، وتم ترتيبه في مواضعه وتم نسخه في الصحف، كل ذلك بأمر منه - ﷺ - وبين يديه.
------------
(٥٠٦) ترجم لهم جميعاً ابن عساكر في السيرة النبوية في الجزء الثاني من تاريخ دمشق الصفحات من ٣٣١ - ٣٤٦ كما قام الدكتور مصطفى الأعظمي بدراسة خاصة حول هذا الموضوع أصدرها بعنوان: كتَّاب الوحي.
(٥٠٧) الإتقان ص ٥٧.


الصفحة التالية
Icon