ويجب التنبيه هنا أن ذلك كله في تسعة وأربعين حرفاً لا غير، وقد يشكل عليك ما قدمت من أن الخلاف بين القراءات في الفرش وصل إلى نحو ألفي كلمة، وهذا ليس غائبا عن البال، فالخلاف الفرشي المذكور كله يحتمله رسم واحد إلا المواضع التسعة والأربعين فإنه لا يحتملها رسم واحد ولا بدمن تعدد الرسم في النسخ ليتم استيعاب الوجوه المشروعة.
فنجد مثلاً أن وجوه القراءة الأربعة تؤخذ من رسم عثماني واحد في مثل الموضع التالي: (قبل النقط والتشكل).
وإليه (يرجعون)(٥٢٢): يُرجَعون(٥٢٣) ـ يَرْجِعون(٥٢٤) ـ تَرجِعون(٥٢٥)ـ تُرجَعون (٥٢٦)
يوم القيامة (يفصل)(٥٢٧) بينكم: يُفْصَل(٥٢٨) ـ يُفَصَّل(٥٢٩) ـ يَفْصِل(٥٣٠) ـ يُفَصِّل(٥٣١)
فإذا هم (يخصمون)(٥٣٢): (يَخْصِّمُون(٥٣٣) ـ يَخَصِّمون(٥٣٤) ـ يَخِصِّمون(٥٣٥) ـ يَخْصِمُون(٥٣٦).
بينما لا يمكن تحصيل الوجوه الآتية إلا من رسمين اثنين:
﴿جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ (٥٣٧): وهي قراءة ابن كثير
﴿جنات تجري تحتها الأنهار﴾: وهي قراءة الباقين
﴿الذين اتخذوا مسجداً ضراراً﴾ (٥٣٨): وهي قراءة نافع وأبي عامر وجعفر.
﴿والذين اتخذوا مسجداً ضراراً﴾: وهي قراءة الباقين.
ويجب التنويه هنا أن التخالف الذي وقع بين المصاحف إنما وقع في تسعة وأربعين موضعاً فقط، وهي المواضع التي قمت بإحصائها في الفصل الخاص باختلاف
مصاحف الأمصار(٥٣٩)، وأردت من خلال ذلك التأكيد على أن هذا التخالف لم ينشأ من غفلة النساخ أو ذهول عنهم، بل هو تخالف مقصود أراد به عثمان رضي الله استيعاب سائر القراءات المتواترة التي أذن بها النبي - ﷺ - وتلقاها جمهور الصحابة عنهم بالتواتر.
ولكن يرد ثمة سؤال آخر: هل ابتليت الأمة بضياع هذه المواضع التسعة والأربعين بين عهد أبي بكر وعثمان حيث كانت الكتبة الأولى لا تؤدي هذه القراءات؟
والجواب على هذا الإشكال من وجهين:


الصفحة التالية
Icon