الأول: إن كَتْبَة الصديق وإن لم نجزم بأنها مشتملة على الوجوه المذكورة لكن ذلك لم يؤثر على مبدأ إقرار الإقراء بها لسببين. السبب الأول: إن نسخة الصديق لم تكن متاحة لكل أحد، بل كانت وثيقة محفوظة مدخرة لما يأتي من الأيام حين يخشى أن تتفرق الأمة وقد جاء ذلك اليوم الموعود حين شرع عثمان رضي الله عنه بكتابة مصاحف الأمصار. والسبب الثاني: أن الوثيقة الثانية المشتملة على الرسم الآخر للمصحف كانت موجودة أيضاً لدى مجموعة الصديق التي انتقلت منه إلى عمر ثم إلى حفصة، حيث كان الصديق رضي الله عنه يجمع الوثائق التي كتبها الأصحاب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بلا ريب تتضمن سائر قراءاته(التي لا تخرج هذه القراءات المتواترة عنها.
ذلك أن الصديق رضي الله عنه يوم دعا الناس إلى جمع ما بأيديهم من الصحف اجتمع عنده قرآن كثير، فربما اجتمع من سورة الكهف أو يس مثلاً مئات النسخ، ومثلها السور التي كان الأصحاب يشتغلون بحفظها
وقراءتها كسورة يس والدخان والسجدة وغيرها من قصار السور، وربما اجتمع عنده من البقرة وآل عمران عشرات النسخ، ولا توجد آية في القرآن إلا اجتمع عند أبي بكر منها نسخ كثيرة، بل قد صرح الأصحاب أنه لم تعز عليهم إلا آية واحدة لم يجدوا منها إلا نسخة واحدة وهي آخر سورة التوبة، وقد أتينا على تفصيل ذلك نقلاً عن البخاري قبل قليل.
وهكذا فإن الروايات تظاهرت على التأكيد بوجود أكثر من وثيقة مكتوبة لكل آية من آي القرآن الكريم، بحسب ما كان يتلقى الأصحاب من النبي - ﷺ - وهذه الوثائق بمجموعها مشتملة على القراءات المتواترة التي قرأ بها المعصوم - ﷺ -.