وقد اعتمدت في هذا الفصل على المفسرين من علماء العقيدة كالإمام الفخر الرازي والإمام ابن كثير واختيارات القرطبي في جامعه فيما يتصل بأبواب العقائد، وكذلك استعنت بالكتب المصنفة في الاحتجاج للقراءات وقد أَشرت لكلٍّ منهم في الحاشية لدى النقل عنه، ثم مضيت في التأليف بين أقوالهم بما يحقق الفائدة المتوخاة من تحصيل وجوه القراءة المختلفة.
ولم أورد من القراءات إلا ما كان متواتراً، إلا ما كان في المسألة الأولى، فقد أوردته استئناسا أردت به التنويه إلى وجود نقل غير متواتر في كثير من الآي، ولكن ليس لهذا النقل وزن في المسائل الشرعية.
تمهيد في علاقة القرآن بالمحكم والمتشابه
وقبل الخوض في أثر القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية فإن من المفيد أن نعرض هنا لمسألة المحكم والمتشابه وعلاقته بالقراءات، حيث يتبادر إلى الأذهان أن ما اختلفت فيه القراءات من النص القرآني إنما هو من المتشابه، وأن الأسلم في تأويله أن يفوض علمه إلى الله سبحانه، ﴿وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا﴾(٥٧٦)
ولا بد قبل الخوض في هذه المسألة تحديد معنى المحكم والمتشابه لدى الأصوليين.
فالمحكم هو الواضح الدلالة، الظاهر الذي لا يحتمل النسخ، والمتشابه هو الخفي الذي لا يدرك معناه عقلاً ولا نقلاً، وهذا التعريف هو المختار عند الحنفية كما نقله الآلوسي(٥٧٧)
واختار الأصوليون أن المحكم هو مالا يحتمل إلا وجها واحداً من التأويل، أما المتشابه فهو ما احتمل أوجهاً، وقد رفع هذا القول إلى ابن عباس(٥٧٨)
وثمة اختيارات أخرى في تعريف المحكم والمتشابه، مؤداها إلى واحد من الرأيين السالفين، ولعل أجمع هذه التعريفات ما فصله السرخسي في أصوله بقوله:
المتشابه: هو ما خفي بنفس اللفظ، وانقطع رجاء معرفة المراد منه لمن اشتبه عليه، فأصبح لا يرجى إدراك معناه أصلاً(٥٧٩)