وقد وردت الإشارة في التنزيل العزيز إلى المحكم والمتشابه، ففيه ما يشير إلى أن الكتاب كله محكم: ﴿الر* كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾(٥٨٠)
وفيه ما يشير إلى أن الكتاب العزيز متشابه:
﴿الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم﴾(٥٨١)
وفيه ما يشير إلى أن الكتاب منه محكم ومنه متشابه.
﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأُخَر متشابهات﴾(٥٨٢)
وليس بين هذه الثلاثة أدنى تعارض، فمعنى إحكامه في الآية الأولى أنه منظم ومتقن، كأنه بناء مشيد، أحكم الله سبحانه نظمه وقرآنه وبيانه.
ومعنى تشابهه في الآية الثانية أنه على نسق واحد في الإعجاز والفصاحة والبلاغة والبيان، يشبه بعضه بعضاً من وجهة أنه في سائره تنزيل من حكيم حميد،
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأما أن بعضه محكم وبعضه متشابه، فمعناه أن من القرآن ما اتضحت دلالته على مراد الله تعالى منه، ومنه ما خفيت دلالته على هذا المراد الكريم، فالأول هو المحكم والثاني هو المتشابه.
وجرى العمل لدى الأصوليين على إطلاق المحكم في مقابلة المتشابه تارة، وفي مقابلة المنسوخ تارة أخرى.
فما جاء في التنزيل العزيز من مقابلة النسخ بالإحكام:
﴿فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم﴾(٥٨٣)
ومما جاء في التنزيل من مقابلة النسخ بالتشابه:
﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات﴾(٥٨٤)
وقد ثبت بالاستقراء أن آيات الأحكام ليس فيها متشابه، بل هي جميعا مما أحكم من الكتاب(٥٨٥)، وما كان منها غير واضح الدلالة فإنه يكشف إبهامه ويظهر خفاؤه ويفصل إجماله بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ووسائل الاستدلال بهما.
وهناك طريقتان عند علماء الكلام والتوحيد لمعرفة حكم المتشابه، اشتهرت الأولى عن السلف، واشتهرت الثانية عن الخلف.


الصفحة التالية
Icon