فطريقة السلف: الامتناع عن التأويل، مع الاعتقاد بحقية المراد الإلهي، والتسليم بمراد الشارع منه، ودليلهم قول الله سبحانه:
﴿ومايعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به﴾ وذلك على تحتم الوقف بعد لفظ الجلالة، فتكون معرفة تأويله مقصورة على المولى سبحانه، لا يقدر أن يحيط بها من خلقه أحد، فالحكم الأصولي عندهم هو التوقف عن التأويل، مع اعتقاد أن قول الله حق، وتفويض علم ذلك إلى الله تعالى بدون بحث في تأويله.
وطريقة الخلف: تأويل المتشابه بما يوافق اللغة، ويلائم تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به، فعلى سبيل المثال: نزول الله سبحانه إلى سماء الدنيا متشابه، لإيهامه التحول في الذات العلية، ووصفه باليد والعين والاستواء متشابه لإيهامه مشابهة الحوادث، وتقرير أنه في السماء متشابه لأنه يتعارض مع كونه بكل شيء محيط، وهكذا..
ولا يخفى أن منشأ تخالف الطريقتين، إنما هو الاضطراب في تحديد الوقف في الآية، فقد اختار السلف الوقف عند لفظ الجلالة كما بينا، واختار الخلف عدم الوقف، واعتبار الواو عاطفة، على أساس أن الله سبحانه علم الراسخين في العلم أمر تأويله، فهم به عارفون(٥٨٦)
وقد نقل هذا القول عن الصحابي الجليل ابن عباس، كما في الطبري أن ابن عباس كان يقول: أنا من الراسخين في العلم، وأنا أعلم تأويله(٥٨٧)
ولكن نقل الطبري نفسه عن ابن عباس أيضا أنه قرأ: ﴿وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به﴾(٥٨٨) فتكون قراءته بذلك بمثابة الجزم بأن علم المتشابه محصور في المولى سبحانه، وعلى العباد التسليم، والله أعلم.
وقد اختار صاحب كتاب: أصول الفقه الإسلامي مذهب السلف، والقول بالتسليم والتفويض لله بمراده، وأشار إلى انه لا يترتب على هذا الخلاف نتيجة عملية، ولا صلة لهذا البحث بالأحكام الشرعية(٥٨٩)


الصفحة التالية
Icon