(٦٤٢) حجة القراءات لأبي زرعة ص ٩٦
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: ﴿ولكل وجهة هو موليها﴾(٦٤٣)
قرأ ابن عامر الشامي: ﴿ولكل وجهة هو مولاَّها﴾(٦٤٤)
وقرأ باقي العشرة: ﴿ولكل وجهة هو مولِّيها﴾(٦٤٥)
وحجة ابن عامر أن العبد يولى هذه القبلة، ولم ينسب الفعل إلى فاعل بعينه، وهذا أصفى في التوحيد، إذ المولى عز سلطانه هو المنفرد بالتدبير، فيكون الضمير (هو) كناية عن الاسم الذي أضيفت إليه لفظة (كل) وهو الفاعل، وحيث أقيم التركيب هنا مقام مالم يسم فاعله، كان (هو) بمثابة نائب فاعل، والفاعل هنا هو الله سبحانه تصريحاً.
وقرأ باقي العشرة ﴿هو مولِّيها﴾ أي متبعها وراضيها، وحجتهم في ذلك ماروي عن مجاهد بن جبر: ﴿ولكل وجهة هو مُوْلِيها﴾ أي لكل صاحب ملة وجهة أي قبلة هو موليها أي مستقبلها(٦٤٦).
ولاشك أن ما عند الجمهور من تواتر أقوى مما يروى إلى مجاهد، ولكنهم أوردوه للاستئناس بما فيه من التأويل، وليس للإسناد إليه في الإقراء وكذلك قال
القاضي ابن العربي المالكي: (وقرىء هو مولاَّها، يعني المصلي، والتقدير أن المصلي هو موجه نحوها، وكذلك قيل في قراءة من قرأ هو موليها، إن المعنى أيضاً هو متوجه نحوها، والأول أصح في النظر، وأشهر في القراءة والخبر(٦٤٧).
وثمرة الخلاف أن أي قبلة يتولاها العبد إنما تولاها بأمر الله وإرادته، فهو يولي وجهه إليها بإرادته مجازاً، وبإرادة الله حقيقة، فهو مولِّيها بإرادته وسعيه، ومولاَّها بإرادة الله وأمره.
وهكذا فإن تصريح القرآن بوجود إرادة للعبد لا ينفي حقيقة أن الله سبحانه هو خالق الأفعال جميعاً: ﴿والله خلقكم وما تعلمون﴾(٦٤٨) وهذا المعنى البديع، بما فيه من تأليف بين إرادة الله و إرادة العبد لا يظهر إلا من القراءتين جميعاً، إذ لا تستقل بتبيانه واحدة منهما.
وأشير هنا أن هذا التأليف توافرت عليه الأدلة السمعية حيث نسب الفعل إلى العبد مجازاً وإلى الله حقيقة، وزادته هاتان القراءتان توكيداً وظهوراً.