وإنما بسطنا القول عن شيخ المفسرين الإمام الطبري ليتبين حرصهم واشتغالهم بتحقيق القراءة الصحيحة، ولو في الجزئيات التي لاينبني عليها خلاف ذو معنى.
وقد سبق القول أن إنكار الإمام الطبري لقراءة متواترة إنما منشؤه عدم ثبوت تواتر إسنادها عنده كما صرح، فقد كان غالب نهج الطبري إذا أشار إلى ورود قراءتين ثبت لديه تواترها أن يقول: والقول عندي أن كلا القراءتين متواتر، والحكم بهما جميعاً(٦٦٠).
ولو أن ابن مجاهد سبق الطبري(٦٦١) وقدم ما اجتمع لديه من أسانيد قراءة الكسائي لجزم الطبري بالمتواتر والتمس لوجوه التأويل كما صنع في مثيلات هذا المقام(٦٦٢)
وثمرة الخلاف: تتجلى في أن الوحي قد ورد من المولى سبحانه بأكثر من صيغة توكيد على أن الدين عند الله هو الإسلام.
فقد جاءت قراءة الجمهور تفيد هذه الحقيقة بطريق ورود التوكيد بالحرف (إن) على أنه استئناف كلام.
وجاءت قراءة الكسائي تضيف إلى هذه الحقيقة شهادة الله سبحانه والملائكة وأولي العلم.
فليس ثمة تعارض بين القراءتين، ولكن الوجوه تتكامل في الدلالة على المعنى بوسائل التوكيد المتعددة.
------------
(٦٥٤) آل عمران
(٦٥٥) سراج القاري لابن القاصح ص ١٧٦
وعبارة الشاطبي:.... كسره صح إن الدين بالفتح رفلا
ولم يشر ابن الجزري إلى متابع للكسائي من العشرة.
(٦٥٦) جامع البيان للطبري جـ٣ ص ١٣٩
(٦٥٧) جامع البيان للطبري جـ٣ ص ١٤٠
(٦٥٨) المصدر نفسه والصفحة نفسها
(٦٥٩) المصدر نفسه والصفحة نفسها
(٦٦٠) انظر مثلاً ما ذهب إليه من قبول قراءة: ولولا دفع الله الناس، ولولا دفاع الله الناس، إذ قال: والقول عندي أنهما قراءتان متواترتان قرأت بهما القراء، وجاءت بهما جماعة الأمة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر. جامع البيان للطبري جـ٢ ص ٤٠٤.
(٦٦١) توفي الطبري بعام ٣١٠ هـ، بينما توفي ابن مجاهد عام ٣٢٤ هـ