(٦٦٢) انظر صنيع الطبري في نظائر ذلك مما اختلف فيه القراء، وقد أحلنا عليه مراراً في نظائر ذلك
المسألة السادسة
قوله تعالى: ﴿وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم﴾(٦٦٣).
قرأ سائر القراء: ﴿وكلمةُ الله هي العليا﴾ على الاستئناف.
وانفرد يعقوب بالقراءة بالفتح: ﴿وكلمةَ الله هي العليا﴾ على العطف(٦٦٤).
وضم القرطبي إلى يعقوب الأعمش في اختيار قراءة النصب، ولكنه نقل عن الفراء استنكاره لذلك من جهة اللغة(٦٦٥)، إذ لا تقول العرب: أعتق زيد غلام أبي زيد، بل تقول: أعتق زيد غلام أبيه، وتمام الفصاحة أن يقال: وكلمته هي العليا.
ولكن التصريح في هذا المقام باسم الله أبلغ، وهو عادة القرآن العظيم فيما له مقام تشريف، أو موجب تنبيه كما في قوله سبحانه: ﴿إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها﴾(٦٦٦)، فكرر ذكر الفاعل مع أن في الضمير غنية، وكذلك قوله: ﴿حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها﴾(٦٦٧)، فكرر ذكر الأهل مع أن في إيراد الضمير غنية. ومثل ذلك ما أنشد لسيبويه:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغَّصَ الموت ذا الغنى والفقيرا(٦٦٨)
وهذا الاحتجاج ورده من باب تحصيل الحاصل محمول على عدم ثبوت تواتر القراءة عند المنكرين، وإلا فإنه بعد ثبوت تواتر القراءة ليس للكلِّ إلا التسليم بجواز القراءة بها وضبط قواعد العربية عليها وليس العكس.
وثمرة الخلاف: فيما أفادته الآية من معان، فقد فهمنا من قراءة النصب أن الله جعل كلمته علية ظاهرة، ثم عاد فقرر أن علو كلمته سبحانه قديم لم يطرأ بعد أن لم يكن، فالمسألة مسألة إبداء وليست مسألة ابتداء، فكلمة الله عالية أصلاً، ولكن ظن بعض الناس خلاف ذلك فأظهر المولى سبحانه إرادته حين قدر نصرة النبي - ﷺ - على المشركين يوم الغار.


الصفحة التالية
Icon