قال الفراء: (حفظاً) تجعل ما بعد (خير) مصدراً وتنصب على التفسير، وتضمر بعد (خير) اسم المخاطبين. فكأن تقديره: (فالله خيركم حفظاً). وجرى مجرى قولك: (فلان أحسن وجهاً) تريد: (أحسن الناس وجهاً) ثم تحذف القوم، فكذلك (خيركم حفظاً) ثم تحذف الكاف والميم. قال الزجاج (حفظاً) منصوب على التمييز، و (حافظاً) منصوب على الحال ويجوز أن يكون (حافظاً) على التمييز أيضا(٦٧١).
وثمرة الخلاف: أن قراءة حمزة والكسائي أفادتنا حكماً ضرورياً وهو أن من أسماء الله الحسنى: الحافظ، ومثل هذا الاسم لا يكون إلا عن توقيف، قال اللَّقاني:
واختير أن اسماه توقيفية كذا الصفات فاحفظ السمعية(٦٧٢)
وقد ورد التصريح في الكتاب العزيز باسمه تعالى الحفيظ في مواضع كثيرة:
﴿وربك على شيء حفيظ﴾(٦٧٣)
﴿إن ربي على كل شيء حفيظ﴾(٦٧٤)
كما ورد اسمه سبحانه (الحافظ) بصيغة الجمع مرة واحدة في سورة الأنبياء في قوله سبحانه:
﴿ويعملون له عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين﴾(٦٧٥)
وحيث تواترت القراءة فقد وجب المصير إليها، ولا خلاف بين الأمة أن الحافظ اسم من أسماء الله الحسنى، تباركت أسماؤه وجلت صفاته، وإن هذه القراءة إن لم تستقل بجواز إطلاق هذه التسمية فقد وكَّدت ذلك.
ولا نزاع فيما دلت عليه قراءة الجمهور من أن المولى سبحانه خير حفظا، فهو مما أجمع عليه الموحدون.
------------
(٦٧١) حجة القراءات ص ٣٦٢
وانظر سراج القاري ص ٢٥٨
وعبارة الشاطبي:.... يشاء نو ن دار وحفظاً حافظاً شاع عُقَّلاً
وانظر تقريب النشر ص ١٢٧، حيث جزم بضم خلف إليهم.
(٦٧٢) انظر جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني، وشروحها كثيرة، ورقم البيت ٣٩
(٦٧٣) سورة سبأ ٢١
(٦٧٤) سورة هود ٥٧
(٦٧٥) سورة الأنبياء ٨٢
المسألة الثامنة
قوله تعالى: ﴿ما لهم من دونه من ولي ولا يشركُ في حكمه أحداً﴾ الكهف(٢٦)
قرأ ابن عامر: ﴿ولا تُشركْ في حكمه أحداً﴾ بالتاء والجزم على النهي.