قال الشوكاني في فتح القدير: قوله تعالى: ﴿يدافع﴾ صيغة المفاعلة هنا مجردة عن معناها الأصلي، وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدل عليه القراءة الأخرى (قراءة الكوفيين والشامي والمدني)، وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيراً مثل: عاقبت اللص ونحو ذلك(٦٩٧).
------------
(٦٩٦) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة طـ مؤسسة الرسالة ص ٤٧٨
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري طـ البابي الحلبي ص ٢٩٧
وعبارة الشاطبي: ويدفع حق بين فتحيه ساكن يدافع والمضموم في أذِنَ اعتلا
(٦٩٧) فتح القدير للشوكاني ص ٤٥٦
المسألة الثالثة عشرة:
قوله تعالى: ﴿ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا﴾(٦٩٨)
قرأ رويس: ﴿ليُعلمَ أن قد أبلغوا رسالات ربهم﴾
وقرأ سائر الباقين: ﴿ليَعلَم أن قد أبلغوا رسالات ربهم﴾(٦٩٩).
فالفعل عند رويس مبني للمجهول، وقد قرأ بذلك من السلف الزهري وابن أبي عبلة(٧٠٠)، والمراد أن الله سبحانه يسلك الرسل مسلكهم ليعلم من أراد الله له أن يعلم أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم فلم يكتموها.
وأما قراءة الباقين فهي على المبني للمعلوم، وهو أقرب مذكورـ أي الرسول ـ فيعلم أن الرسل من قبله قد أدوا الرسالة كما أراد الله عز وجل، وأن جبريل قد أبلغه رسالة ربه، وأن الله يحفظ الوحي ليؤديه الأنبياء.
ولم أجد لدى المفسرين من رفع الضمير هنا إلى الله سبحانه إلا عزواً عزاه القرطبي إلى الزجاج(٧٠١) قال: أي ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته، كقوله تعالى: ﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين﴾، والمعنى هنا: ليعلم الله ذلك
علم مشاهدة كما علمه غيبا. ويمكن أن يقال: إن الله سبحانه يكشف بعض الغيب لرسله ليعلم صدقهم، وليعلم الله امتثالهم.
وثمرة الخلاف تظهر هنا في التأليف بين وجه الجمهور على ما تأوله الزجاج ووجه رويس.


الصفحة التالية
Icon