وقد اجتمع المعنيان جميعاً في حديث واحد وهو ما أخرجه ابن جرير الطبري عن قتادة، وعزاه السيوطي إلى أبي داود في ناسخه عن ابن عباس قال: (كانت الآية تنسخ الآية، وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة وما شاء الله من السورة ثم ترفع فينسها الله نبيه، فقال الله يقص على نبيه: ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها﴾ يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي)(٧١٣)
وللعلامة الآلوسي اختيار ينتهي به إلى اتحاد القراءتين في المعنى، يقول: (وقرىء: ننسأها، وأصله من نسأ بمعنى آخر، والمعنى نؤخرها في اللوح المحفوظ فلا
ننزلها، أو نبعدها من الذهن بحيث لا يتذكر معناها ولا لفظها، وهو معنى ننسها، فتتحد القراءتان)(٧١٤).
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن النسخ جائز عقلا، وواقع سمعا، وقد أنكرته على النبي - ﷺ - طائفة من اليهود، فنزلت آية النسخ في الرد عليهم(٧١٥).
وقد اتفق السلف على وقوعه لم ينكر ذلك أحد، لكن نقل عن أبي مسلم الأصفهاني(٧١٦) إنكاره لوقوع النسخ في القرآن واحتج لذلك بأدلة ثلاثة:
الأول: إن الله عز وجل قال: ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه﴾(٧١٧) قال فلو جاز النسخ لجاز أن يأتيه الباطل.
الثاني: إن النسخ الذي تشير إليه الآية هو نسخ الإسلام للشرائع السابقة، لا نسخ القرآن بعضه لبعض.
الثالث: أن الآية لا تزيد في دلالتها على أن النسخ لو ووقع لأدى إلى خير منه، ولكنه لم يقع(٧١٨).
والحق أن اعتراض أبي مسلم، ومثله بعض المعاصرين اليوم منشؤه عدم فهم النسخ على وجه الحقيقة.
فالنسخ في الواقع ليس تغيراً في حال الخالق بل هو تغير في حال المخلوق، فهي أمور يبديها لا أمور يبتديها، أمور يظهرها لا أمور تظهر له، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.


الصفحة التالية
Icon