وثمرة الخلاف أن إحدى القراءتين أفادت نهياً عن السؤال عن المشركين، ومقتضى النهي هنا ترك التأسف عليهم بعد أن حققت عليهم كلمة الله، وذلك أن النبي - ﷺ - كان كثير التأسف على إعراض المشركين حتى قال له الله عز وجل: ﴿فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا﴾(٧٣٠)
وأفادت القراءة الثانية معنى آخر وهو أن النبي - ﷺ - لا يسأل عن أصحاب الجحيم يوم القيامة، ولا يحاسب عنهم، بعد أن بلغهم رسالة الله، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن الناس مجزيون بما قدموا، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
وكما ترى فليس بين القراءات تنافر وتضاد، بل كل قراءة أفادت معنى جديدا، وتعدد القراءات ينزل منزلة تعدد الآيات.
وإذا كانت هذه الآية لم يثبت لها سبب نزول تنهض به حجة(٧٣١) يتصل بوالدي النبي - ﷺ - فإنه ينبغي التأكيد على صرفها عن ذلك، تأدباً مع النبي - ﷺ - واستدلالاً بقول الله سبحانه: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ ولا خلاف أن من لم يدرك بعثة النبي - ﷺ - فهو من أهل الفترة، قال تعالى: ﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل﴾(٧٣٢)
وقال: ﴿لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون﴾(٧٣٣).
وأهل الفترة ناجون على الأصح، استدلالاً بقول الله سبحانه: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾(٧٣٤)، وهو مذهب الأشاعرة خلافاً لما ذهبت إليه الماتريدية من وجوب معرفة الله بالعقل، وما قالته المعتزلة من أن الأحكام كلها تثبت
بالعقل(٧٣٥)، وإن كنا نعتذر للماتريدية بأن مؤدى قولهم، أنه لو لم يرد به الشرع لأدركه العقل استقلالاً لوضوحه، وليس كما قالت المعتزلة مستندة إلى التحسين العقلي.


الصفحة التالية
Icon