وقرأ حمزة: ﴿لما آتيتكم﴾ بكسر اللام، ومعناه لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، على أن ما مصدرية والفعلان معها، أي آتيتكم وجاءكم في معنى المصدرين.(٧٤٦)
وثمرة الخلاف: أن كلا من الآيتين أفادت معنى جديداً، فأفادت الأولى أن الميثاق إنما أخذه الله عز وجل على تكليفهم بتبليغ ما أوتوا من الكتاب والحكمة.
وأفادت قراءة الجمهور أن الميثاق أكرم به النبيون بما رزقوا من الكتاب والحكمة، فبينما فُهم من الأولى أن الحكمة والكتاب هما موضوع الميثاق الذي واثقهم الله عليه، فُهم من الثانية أن الله جعلهم من أهل الميثاق ببركة ما وفوا به من أمر الكتاب والحكمة(٧٤٧)، فليس بين القراءتين تضاد، والمؤمن يؤمن بالكتاب كله.
ويتأكد هنا أن دلالة قراءة الجمهور على أن الميثاق نعمة نالها الأنبياء ببركة وفائهم بعهد الله، لا ينبغي أن يقودنا إلى تصور أن النبوات تتأتى عن طريق الكسب والسعي، فهذا خلاف المقرر في عقيدة الحق:
ولم تكن نبوة مكتسبة * ولو رقى في الخير أعلى عقبة
بل ذاك فضل الله يؤتيه لمن * يشاء جل الله واهب المنن(٧٤٨)
بل هو إعداد الله سبحانه لمن سبق أن اختارهم بعلمه وفضله رسلاً مبشرين ومنذرين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
------------
(٧٤٢) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص ١٦٨، وانظر سراج القاري لابن القاصح ط البابي الحلبي ص ١٨٢. ونص الشاطبي:
ورفع ولا يأمركم روحه سما وبالتاء آتينا مع الضم خولا
ولم يأت ابن الجزري في الدرة على ذكر خلاف للثلاثة، فدل على أنهم قرؤوا وفق قراءة الجمهور.
(٧٤٣) سورة الإسراء ٨٨
(٧٤٤) سورة الإسراء ٨٦
(٧٤٥) حجة القراءات لأبي زرعة ص ١٦٨
(٧٤٦) تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري محمود بن عمر ط انتشارات آفتاب ـ طهران جـ١ ص ٤٤١
(٧٤٧) انظر الجامع لأحكام القرآن ط دار الكاتب العربي جـ٢ ص ١٢٥