وبذلك فإن سائر القراءات المتواترة قرأ بها النبي - ﷺ - وأقرأ عليها، ويلزم التسليم هنا أن النبي - ﷺ - قرأ بتحقيق الهمزات وقرأ بتسهيلها وقرأ بتغييرها وقرأ بإسقاطها، وقرأ بفتح الألف والتقليل فيها واجتماعها والإمالة فيها، وقرأ بالإدغام الصغير والإدغام الكبير، وقرأ بالفصل بين الحروف المدغمة.
وقرأ كذلك بسائر الفرشيات التي تنسب إلى الأئمة العشرة، إذ ثبت بأسانيدهم المتواترة أنهم تلقوا ذلك كله عن النبي - ﷺ -.
ولم يكن النبي - ﷺ - قد قسم هذه الاختيارات إلى وجوه سبعة أو عشرة محسومة، بل ترك لأصحابه الاختيار منها، بحسب ما تلقوه واستقامت عليه ألسنتهم.
ولو قدر أن يكون في عهد الصحابة من يهتم بحسم مسائل القراءة على الوجه الذي نهجته الشيوخ فيما بعد، لانتهى إلى الأمر ذاته الذي انتهوا إليه، ولكنه - ﷺ - مات وأمر الاختيار هذا مشاع في الأمة يتخير منه القراء من الصحابة ما يرغبون، بشرط أن يكونوا قد سمعوه من المعصوم - ﷺ - في مقام.
وهكذا فإنه يمكن القول إن الرسول - ﷺ - أول شيخ إقراء، تلقى الوجوه جميعاً عن جبريل، عن رب العزة جل جلاله وتباركت آلاؤه، وهو - ﷺ - أقرأها كما تلقاها.
وغني عن القول أن أي خلاف كان ينشأ في مسألة من مسائل القراءة كان يحسم مباشرة على وفق تصويب النبي - ﷺ - لأحد الوجهين، أو إقراره لهما جميعاً.
المبحث الثاني: القراء من الصحابة الكرام