قال ابن مسعود: خرج النبي - ﷺ - ليلةً وقد أخَّر الصلاة فمنَّا المضطجع ومنَّا المصلي، فقال النبي - ﷺ - إنه لا يصلي أحد من أهل الأرض هذه الصلاة غيركم. والصحيح أنه في الصلاة مطلقاً، وعن أبي موسى عنه عليه السلام ما من أحد من النَّاس يُصَلِّي هذه الساعة غيركم. وهذه في العتمة تأكيدٌ للتخصيص وتبيين للتفضيل.
وهكذا فإنه هنا أشار أن المخاطبين بالثناء في هذه الآية إنما هم من أسلم من أهل الكتاب، وقد أخبر النبي - ﷺ - عن عظيم أجرهم فقال: (ثلاثة لهم أجران: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي - ﷺ - فآمن به واتبعه
وصدقه فله أجران، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه... ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها... الحديث)(٧٦٠) ولا عبرة بعدئذ لأنساب القوم وأصولهم، فشرف النسب أدعى إلى تغليظ الحساب منه إلى تهوينه.
قال ابن تيمية (الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابياً أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبه، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ أو التبديل أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك، والمنصوص الصريح عن أحمد)(٧٦١).
وقال: (وإذا كان ذلك كذلك فكل من تدين بهذا الكتاب الموجود عند أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، وهم كفار تمسكوا بكتاب مبدل منسوخ، وهم مخلدون في نار جهنم كما يخلد سائر أنواع الكفار، والله تعالى مع ذلك شرع إقرارهم بالجزية وأحل طعامهم ونساءهم)(٧٦٢)
ولا شك أن الذين أخبرت عنهم الآية بأنهم من أهل الجنة ليسوا أولئك الذين تركوا القرآن وآمنوا بالكتب المحرفة، بل هم بلا ريب أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام.
------------
(٧٤٩) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص ١٧٠