وليس بين القراءتين تضاد، والجمع بينهما ممكن بدون اعتساف، إذ كل واحدة أفادت معنى جديداً، والله تعالى أعلم.
وما ورد من إنكار ابن عباس وابن مسعود ومجاهد(٧٦٨) وغيرهم لقراءة (أن يغل) على المبني للمجهول فهي محمولة على عدم ثبوت تواترها لديهم، ولو ثبت تواترها لم يحل لهم أن ينكروها.
وعبارة مجاهد: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ ﴿وما كان لنبي أن يُغَلَّ﴾ ويقول: كيف لا يكون له أن يُغل، وقد كان له أن يُقتل، قال الله: ويقتلون الأنبياء بغير حق، ولكن المنافقين اتهموا النبي - ﷺ - في شيء من الغنيمة فأنزل الله: ﴿وما كان لنبي أن يغل﴾(٧٦٩) تبرئة للنبي(.
ولا يخفى أن إنكار ابن عباس مستند إلى قياس، والقياس لا ينهض حجة في رد التواتر كما هو معلوم.
وتتضمن قراءة (يُغَلَّ) معنى آخر أيضاً، وهو أن أصحاب الأنبياء ولا يجوز لهم بحال أن يغلوا أنبيائهم، فقد يظن بعض المنافقين أن غلولهم للأنبياء مغفور، لأن ما بين أيدي الأنبياء من المال إنما هو مال الأمة، وهم من الأمة، فجاءت الآية محذرة من هذا التوهم، مصرِّحة بتحريم غلول الأموال في كل حال.
------------
(٧٦٣) لم أجده، والعهدة فيه على إيراد أبي زرعة له في الحجة ص ١٧٩
(٧٦٤) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: هو حسن، عن ابن عباس
انظر أسباب النزول للسيوطي. آل عمران آية ١٦١
(٧٦٥) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ٢ ص ٩١، وفيه نسبة هذا القول للحسن البصري.
(٧٦٦) انظر الدر المنثور للسيوطي جـ٢ ص ٩١ وفيه نسبة القول إلى الربيع وقتادة.
(٧٦٧) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة طـ مؤسسة الرسالة ص ١٧٩
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري طـ البابي الحلبي ص ١٨٥
ونص الشاطبية:.... وضم في يغل وفتح الضم إذ شاع كفلا
ولم يأت ابن الجزري في الدرة على ذكر خلاف الثلاثة، فدل على أنهم قرؤوا قراءة الجمهور.
(٧٦٨) الدر المنثور للسيوطي جـ٢ ص ٩١ طـ دار الكاتب العربي