(٧٧١) دأب كثير من النصارى إلى توجيه هذه الآيات وأمثالها إلى ما يوافق هواهم، واتخذوها مصادرة على القرآن الكريم، على أساس أن الكتاب الكريم يأمرهم بالعودة إلى إنجيلهم والاحتكام إليه.
ولكن هذا السلوك الخاطئ غاية ما يؤدي إليه أنهم يثبتون لأنفسهم مقام من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وهو مقام مذموم بكل حال.
ولا يخفى أن دعوة القرآن لهم إلى الحكم بما أنزل الله في الإنجيل قائمة باقية، ولكن المقصود بها هو ذلك الإنجيل الحق الذي أنزله الله على عيسى بن مريم، وهذا التعريف للإنجيل لا يقول به اليوم أحد من النصارى، إذ أنهم لا يعتقدون بوجوده أصلاً، بل يقولون بإلهامات أنزلها الله عز وجل على أصحاب عيسى الأربعة، وهو خلاف ما تقرر لدى المسلمين من نزول الإنجيل على السيد المسيح نفسه.
وأشهر من قال ذلك وانتصر له من النصارى الأب يوسف درة الحداد في سلسلة "دراسات قرآنية" منشورات المكتبة البولسية ـ بيروت.
(٧٧٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ٦ ص ٢٠٩
(٧٧٣) سورة التوبة ٣١
(٧٧٤) سورة المائدة ٧٥
(٧٧٥) سورة الصف ٦
(٧٧٦) سورة المائدة ٤٦
(٧٧٧) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، كتاب قتال أهل البغي جـ٣٥ ص ٢٢٨
المسألة السابعة
قوله تعالى: ﴿إذا قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء﴾(٧٧٨)
قرأ الكسائي: ﴿هل تستطيعُ ربَّك﴾(٧٧٩)
وقرأ الباقون: ﴿هل يستطيعُ ربُّك أن ينزل علينا مائدة من السماء﴾(٧٨٠)
وتوجيه قراءة الكسائي: هل تقدر يا عيسى أن تسأل ربك، لأنهم كانوا مؤمنين، وقد أثنى الله عليهم، وأوحى إليهم(٧٨١)، كما في قوله: ﴿وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي﴾(٧٨٢)، وكانت عائشة تقول: كان القوم أعلم بالله من أن يقولوا (هل يستطيع ربك) إنما قالوا: (هل تستطيع ربَّك(٧٨٣)).
واحتج أبو زرعة لاختيار الكسائي بقوله: الله تعالى سماهم حواريين، ولم يكن الله ليسميهم بذلك وهم برسالة رسوله كفرة.


الصفحة التالية
Icon