قرأ ابن عامر وشعبة عن عاصم وأبو جعفر: ﴿غيرَ أولي الإربة﴾ نصباً وقرأ الباقون: ﴿غيرِ أولي الإربة﴾ بالخفض(١٢٤٠)
وتوجيه قراءة ابن عامر وشعبة على وجهين:
الأول: الاستثناء، فيكون معنى الآية: (ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا أولي الإربة فلا يبدين زينتهن لهم) وهكذا فبتكرر الاستثناء عاد الحكم إلى الأول، ولما فتح تكرير الاستثناء بـ (إلا) ورد الاستثناء بـ (غير).
الثاني: الحال، فيكون المعنى: (ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين حال كونهم غير أصحاب أرب في النساء)
وتوجيه قراءة الباقين أن ﴿غير﴾: صفة، والمعنى: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين الذين لا إرب لهم في النساء). ويشكل في توجيه هذه القراءة أن ﴿غير﴾ إنما توصف بها النكرات، كما في قوله تعالى: ﴿وادٍ غيرِ ذي زرع﴾(١٢٤١)
وكذلك قوله: ﴿من ماءٍ غيرِ آسن﴾(١٢٤٢) وقوله: ﴿بيوتاً غيرَ مسكونة﴾(١٢٤٣) فكيف ساغ أن تأتي في هذا المقام وصفا لمعرفة؟.
وقد أجاب الزجاج عن ذلك بقوله: وجاز وصف التابعين بـ (غير) وإن كانت (غير) يوصف بها النكرة، فإن التابعين ها هنا ليس بمقصود به إلى قوم بأعيانهم، إنما معناه لكل تابع غير ذي إربة.(١٢٤٤)
وفي سياق ما أورده الزجاج نورد قول الله عز وجل: ﴿لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر﴾(١٢٤٥) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب، فقد جاءت وصفاً لمرفوع وهو ﴿القاعدون﴾ فرفعت مثله. وذلك لأنهم غير مقصودين بأعيانهم فكانوا بمنزلة النكرة في هذا المقام.
واختلف الناس في معنى قوله: ﴿أو التابعين غير أولي الإربة﴾ فقيل هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء. وقيل: الأبله وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم، وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولايَشتهيهن، قيل: العنين. وقيل المخنث. وقيل الشيخ الكبير والصبي الذي لم يدرك. وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى ويجتمع فيمن: لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء.(١٢٤٦)


الصفحة التالية
Icon