ولا شك أن سلامة الاعتقاد وحسن الأخلاق تقود تلقائياً إلى سلامة الطبائع فصارت نفوسهم تشعر بالفضائل وتتجه نحو الكمالات، فأصبحت تعرف الرذائل والنقائص، وتعمل على اجتنابها وتحاشيها، فبدافع ذاتي بدأوا يشعرون بأن
الخمر منقصة ورذيلة.. فصار الناضجون إيماناً منهم، لا يكتمون شوقهم وتمنيهم لحكم سماوي يحرم الخمر.. بعد أن ظهر تحريمها من نداءات الفطرة السليمة، التي كشف الإسلام الركام عنها في نفوسهم، ومن مستلزمات الطباع القويمة التي صقلها الإيمان في أعماقهم.
وهذه الآية حلقة في سلسلة من التنزيل تعاقبت لبيان حرمة الخمر، وإنما استأنى بهم المولى سبحانه لإلفهم وعادتهم وكلفهم به، فلو أنه جزم في تحريمه مرة واحدة لشق ذلك عليهم، فكان أول ما نزل من ذلك قول الله عز وجل:
﴿ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً﴾(١٢٥٧) فقال بعض الصحابة: لو كانت الخمرة رزقاً حسناً لما أفردها الله عنه بالذكر.
ثم نزل قوله سبحانه: ﴿يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس﴾(١٢٥٨) فقال بعضهم: يا رسول الله ننتفع بها ونشربها(١٢٥٩)، وقال بعضهم: بل نعرض عنها، ثم نزل قول الله عز وجل:
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ماتقولون﴾(١٢٦٠) فشربها من شربها منهم وتركها من تركها، وجعلوا يتقونها عند الصلاة، حتى شربها رجل يقال له أبو القموص، فجعل ينشد شعراً، يذكر فيه قتلى بدر يرثيهم، وقال في النبي والأصحاب هجراً، فبلغ ذلك رسول الله - ﷺ - فجاء فزعاً يجر رداءه من الفزع، حتى انتهى إليه، فلما عاينه الرجل، فرفع رسول الله - ﷺ - شيئاً كان بيده ليضربه، فقال الرجل: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، والله لا أطعمها أبداً، فأنزل الله سبحانه:


الصفحة التالية
Icon