وحيث لم يرد في اللغة العربية قيد يحدد دلالة اللفظة على أحد مترادفاتها دون سواه من خلال تركيب الكلمة، فإن الواجب يقضي اللجوء إلى القرائن وعبارات علماء التفسير في ذلك، وظاهر قول الله عز وجل يقتضي ألاَّ حدَّ على أمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج، إذ هو الغالب في استعمال الإحصان، والمقام ثمة مقام الحديث عن الفتيات المؤمنات في صدر الآية، فدل على أن ﴿أحصن﴾ يراد منها معنى آخر غير معنى الإسلام، إذ توضح معنى الإسلام بقوله سبحانه: ﴿من فتياتكم المؤمنات﴾ فتكرر ذلك عبث ولبس، يتنزه عنه الحكيم سبحانه.
وهو ظاهر ما روي عن ابن عباس قال: (لا تجلد إذا زنت حتى تتزوج)(١٢٧٥).
ولكن ثمة مذهب آخر روي عن ابن مسعود إذ كان يقول: (إذا أسلمت وزنت جلدت وإن لم تتزوج)(١٢٧٦) ونقله القرطبي عن ابن مسعود والشعبي والزهري وغيرهم(١٢٧٧).
وينبغي التنويه هنا إلى أنهم لم يرفعوا الحد عن الأمة بالتزوج دون الإسلام وهم يريدون تهوين أمر الزنا، بل هو إطلاق ليد الإمام ليعاقبهما بما يردعهما، أما الحد فهو من خصائص المحصنات.
وقد ورد حديث في الباب لو صح إسناده لقطع كل جدل، وهو ما روي عن النبي - ﷺ - في قوله: "من أشرك بالله فليس بمحصن"(١٢٧٨)
ويمكن إجمال مذاهب الفقهاء إلى مذهبين اثنين:
الأول: مذهب ابن عباس وهو أن الإحصان في هذه الآية هو التزوج(١٢٧٩)
الثاني: مذهب ابن مسعود وهو أن الإحصان في هذه الآية هو الإسلام(١٢٨٠).
وقد أخذت الحنفية والمالكية بقول ابن مسعود، فنصوا على أن الإحصان لا يتم إلا بالإسلام، لأن الحد تطهير، والكافر ليس من أهل التطهير، ولا تحصن الذمية مسلماً لقوله(لكعب بن مالك حين أراد أن يتزوج باليهودية. دعها فإنها لا تحصنك(١٢٨١).
أما رجمه(لليهوديين(١٢٨٢) فقد أجابوا عنه أن ذلك بحكم التوراة قبل نزول الحكم في القرآن الكريم(١٢٨٣).
وكذلك فإن الحدود كفارات لأهلها، وليس الكافر أهلاً لذلك.