والمعنى ظاهر في انقطاع الكلام قبل ﴿والجروح قصاص﴾، وذلك ظاهر في عدم تشابه الأخبار، إذ خبر الأول كالثاني وكالثالث والرابع والخامس ثم لم يشبهه خبر: ﴿والجروح قصاص﴾.
ولكن معنى عدول الكسائي عن النصب من مطلع الآية غير جلي، ولكنه أجاب كما نقل عنه أبو زرعة بقوله: حجة الكسائي في ذلك صحة الخبر عن رسول الله - ﷺ - أنه قرأ: ﴿والعينُ بالعينُ والأنفُ بالأنفُ﴾، ونقل عن الزجاج قوله: (رفعه على وجهين: على العطف على موضع ﴿النفس بالنفس﴾ والعامل فيها المعنى ﴿وكتبنا عليهم النفس﴾ أي قلنا لهم النفس.
ونقل عن الفراء كذلك قوله: (إن الرفع أجود الوجهين وذلك لمجيء الاسم الثاني بعد تمام الخبر الأول وذلك مثل قولك: (إن عبد الله قائم وزيد قاعد)(١٢٩٧).
وأشبه ما في القرآن من مذهب الكسائي قوله سبحانه: ﴿إن الأرضَ لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبةُ للمتقين﴾(١٢٩٨) وقد أجمعوا على رفع ﴿العاقبةُ﴾ على الاستئناف رغم إمكان عطفها على اسم إن.
وإنما بسطنا القول في تأويله من جهة اللغة لنحقق المقاصد التي فهمها القراء لكل وجه من هذه الوجوه.
ولا شك أن دلالات الآية، وهي أصل في أحكام القصاص في الفقه الإسلامي، يستدعي بسط القول في أحكامها إطالة لا تناسب هذه الدراسة، وإنما نجتزئ منها مسألة واحدة: هل تقتل النفس بالنفس، وفق ما أدى إليه عموم الآية، فتشمل بذلك قتل المسلم بالذمي، والرجل بالمرأة، والحر بالعبد؟ أم تختص هذه الآية بشرع من قبلنا؟
أما الذي يتصل في هذا المقام فهو مسألة فرعية أخرى، وهي: هل يلزم القاضي الحكم بأن العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص على أساس أنه شرع لنا؟ وهو ما دلت له قراءة الرفع، أم يستأنس به في القضاء استئناساً على أساس أنه شرع من قبلنا على مذاهبهم في ذلك؟ وهو ما دلت له قراءة النصب.