فأما المسألة الأولى وهي لا علاقة لها باختلاف القراءة فقد اعتمدها الحنفية أصلاً في تكافؤ الدماء بين الناس، فلم يشترطوا التكافؤ في الحرية والدين، وإنما يكتفى بالتساوي في الإنسانية، وأمارتها نفخ الروح، وكذلك فإن النصوص العامة لم تفرق بين مسلم وذمي﴿كتب عليكم القصاص في القتلى﴾(١٢٩٩) وقوله تعالى: ﴿وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس﴾(١٣٠٠) فلو لم يجب قتل المسلم بالذمي لكان في ذلك إغراء بإهراق الدماء لما بين الفريقين من العداوة في الدين(١٣٠١).
واستدلوا كذلك بما رواه الدار قطني أن النبي - ﷺ - أقاد مؤمناً بكافر، وقال: أنا أحق من وفى بذمته(١٣٠٢).
وقد مضى جمهور الفقهاء إلى رد اختيار الحنفية، وشرطوا الإسلام في المقتول لإقامة حد القصاص، إذ الكفر شبهة تنفي المساواة، والحدود تدرأ بالشبهات، ولا قصاص مع الشبهة.
ورد الجمهور على حديث الدارقطني بأنه ضعيف، وقد يحمل على أنه كان قبل تقرير النبي - ﷺ -: لا يقتل مسلم بكافر(١٣٠٣).
وقد تأول الحنفية حديث: لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، بأنه خاص بالكافر الحربي، وهو محل إجماع بين الفقهاء(١٣٠٤).
وأما الآية فقد قال جمهور المفسرين أنها شرع من قبلنا، وهو لا يلزمنا، ولكن الحنفية مضوا على إعماله وفق قاعدتهم في اعتبار شرع من قبلنا مصدراً تشريعاً، وهو خلاف أصولي مشهور بين علماء الأصول(١٣٠٥).


الصفحة التالية
Icon