وقد أورد المرغيناني من علماء الحنفية بياناً مفصلاً لمذهب الحنفية في قتل المسلم بالذمي استناداً لعموم هذه الآية ومناقشاً لما ذهب إليه الشافعية: (ويقتل المسلم بالذمي، خلافاً للشافعي رحمه الله، له قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقتل مؤمن بكافر" ولأنه لا مساواة بينهما وقت الجناية، وكذا الكفر مبيح فيورث الشبهة، ولنا ماروي أن النبي - ﷺ - قتل مسلماً بذمي، ولأن المساواة في العصمة ثابتة نظراً إلى التكليف أو الدار، والمبيح كفر المحارب دون المسالم، والقتل بمثله يؤذن بانتفاء الشبهة، والمراد بما روى الحربي لسياقه، ولا ذو عهد في عهده والعطف للمغايرة)(١٣٠٦).
وهكذا فإن أظهر التطبيقات العلمية لهذا الاختلاف، ما أخذ به أبو حنيفة إذ قال: يقتل المسلم بالذمي لأنه نفس بنفس، وتدل لهم الآية الصريحة ولكن التأمل في الأدلة يقف بنا عند قول الجمهور، إذ الآية ليست أكثر من حكم عام، ومع أن أبا حنيفة شديد في الأخذ بعموم النص، ولكن ليس لأحد أن يتنكب عن المخصّص إذا ما صح إسناده وتبينت دلالته(١٣٠٧).
ومع ذلك فإن تقرير هذه المسألة من جهة الاستنباط لا يحول دون نظر الأمة في المصالح المرعية، وقد يجد الإمام أن الناس يجترئون على أهل الذمة إذا فهموا درء الحد باختلاف الدين، فينقضون بذلك ذمة المسلمين العامة، فتقضي المصلحة هنا أن يتشدد الإمام في الحد، استدلالاً بما ذهبت إليه الحنفية، على أن ذلك لا يلزم منه لزوم الأخذ به قضاء، إذ يمكن القضاء أن يدرأ الحد بالشبهة، وفساد العقيدة شبهة تدرأ الحد، ولكن لو رأى القضاء في الجناية وجهاً ظاهراً في العمد والاستهتار بحياة الناس، أو القصد الدنيء، فإن المصير إلى اختيار الحنفية هنا أولى، وهذا المعنى هو الذي ذهبت إليه القوانين الجنائية في البلدان العربية، بل هو ما قرره المشرع في السودان لدى إقراره القانون الجنائي الإسلامي.(١٣٠٨)


الصفحة التالية
Icon